الرئيس والسيراميك والصلاحيات

وائل قنديل
وائل قنديل

آخر تحديث: الإثنين 9 يوليه 2012 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

معركة الرئيس محمد مرسى الحقيقية ليست مصنع سيراميك السويس ولا نظافة القاهرة والجيزة والقليوبية، هذه أشياء مهمة لكن ليس من أجلها اخترع منصب رئيس الدولة فى علم السياسة.

 

إن المطلوب من رئيس الدولة فى بدايات توليه المسئولية أن يتمتع بصلاحيات منصب الرئيس كاملة غير منقوصة، ليس تدعيما لسلطته هو وإنما احتراما لإرادة شعب ذهب إلى صناديق الانتخابات لاختيار رئيس، دون أن تجور على صلاحياته سلطة أخرى.

 

ومع شديد الاحترام لانشغال الرئيس الجديد بمشاكل وهموم البسطاء اليومية، فإن هذه ليست البداية التى يريدها منه الشعب، ذلك أن حل مشكلة قمامة القاهرة لا يتطلب تدخلا رئاسيا مباشرا، بل يكفى أن يطلب من المحافظ أو وزير البيئة التصدى للموضوع، كما أن أزمة عمال مصنع السيراميك فى السويس حلها عند وزير العمل، ولا تتطلب كل هذا الضجيج المفتعل، تارة بتسريب أنباء عن وضع المصنع تحت إدارة الدولة، وأخرى بمحاولة صاحب المصنع تصوير الأمر وكأنه قضية أمن قومى ومسألة كرامة وطنية، دفعته لاستخدام عبارات رنانة من نوعية «عناصر خارجية تعبث بسيراميك مصر» وجهات أجنبية تريد الهيمنة.

 

 ما يقال هنا يمكن أن يقال عن مفردات المشهد الاعتصامى عند قصر الرئاسة، فكل هذه مشكلات يومية تعبر عن مطالب محترمة هى من حق أصحابها، لكن أن تستغرق مؤسسة الرئاسة فى تفاصيلها الدقيقة فهذا مما يبدد الجهد والتركيز فى المكان الخطأ والتوقيت الأكثر خطأ، وربما كان القصد من إثارة كل هذه المشاكل فى توقيت واحد هو إرباك الرئيس فى أيامه الأولى، وهذا ليس غريبا من قبل المتضررين من وصوله للحكم، لكن الغريب حقا هو انخراط الرئيس ورجاله فى هذه الملفات الصغيرة على مهام الرئاسة.

 

إن إنجاز تشكيل جمعية تأسيسية محترمة ومتوازنة ينبغى أن يحظى عند الرئيس بأهمية أكثر وأسبقية عن التصدى لمشكلة النظافة فى العاصمة، كما أن اهتمامه بقضية مصرع شهيد التطرف فى السويس ينبغى أن يكون مقدما على أزمة مصنع سيراميك السويس، فحياة مواطن أغلى وأقدس من مليون بلاطة بورسلين، كما أن سلامة المجتمع النفسية ينبغى أن تشغل حيزا أكبر من سلامة المصنع وصاحبه.

 

كما أن إسقاط الإعلان الدستورى المكمل قضية يجب أن تأتى قبل إزاحة تلال القمامة فى القاهرة والجيزة على أجندة أعمال رئيس الجمهورية، الذى من المفترض أن يكون منشغلا فى أيامه الأولى بتشكيل مؤسسة حكمه، قبل الاستسلام لحصار المشاكل والأزمات الموروثة، فضلا عن أنه ليس مطلوبا من رئيس الجمهورية أن يكون «سوبر مان» يتدخل فى كل المشاكل والأزمات، من تشكيل منتخب كرة القدم إلى حل مشكلة مصنع هنا وشركة هناك.

 

ومادام الرئيس الجديد لم يبدأ بعد فى تأسيس نظام جديد، كامل الصلاحية، فإن الفراغ سيبقى قائما، ومن ثم يجد بقايا النظام القديم الفرصة للتحور من أجل الاستمرار حوله من جميع الاتجاهات.

 

والحاصل أنهم يغرقون الرئيس فى مشكلات صغرى لصرفه عن المعارك الكبرى.

 

سيادة الرئيس: كيلو الكباب لا ينبغى أن يكون منتهى أحلام الصاعدين إلى سطح القمر، مع حفظ حقوق الاستعارة للأستاذ هيكل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved