بزوغ فجر حكم الأقلية: التحالف بين الحكومة فى أمريكا ونسبة الواحد فى المائة

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 9 يوليه 2014 - 5:55 ص بتوقيت القاهرة

نشر موقع «ذا دايلى بيست» الأمريكى مقالا للكاتب جويل كوتكين يتحدث عن زيادة قوة فئة جديدة من الأقلية بالغة الثراء، بفضل العلاقة الوثيقة مع إدارة أوباما، بينما تتقلص الطبقة المتوسطة فى البلاد. حيث توقع العديد من التقدميين فى عهد أوباما، بزوغ فجر جديد، عصر أكثر مساواة وأكثر عدلا. ولكن بدلا من ذلك ـ ظهر عصر الأوليجاركية.

•••

أشار الكاتب إلى أنه فى هذا العهد الجديد، هناك تقلص دور الأنشطة الاستثمارية الصغيرة، وزيادة تركيز الأصول المالية، وانخفاض مقلق فى ملكية المساكن. وعلى المستوى الثقافى، هناك الشعور بالضيق عامة حول آفاق الترقى للأجيال القادمة. وهناك من لا يعانون. تعيش هذه القلة المعنية أفضل الأوقات؛ مع تركيز الصناعات الرئيسية أكثر من أى وقت مضى، وزيادة غير مسبوقة لرأس المال على العمل، وارتفاع قيم العقارات فى الأماكن الراقية مثل مانهاتن أو سان فرانسيسكو. وكان هذا التحول نحو حكم الأوليجاركية، سابقا لولاية الرئيس أوباما. ونتج عن التقاء قوى: العولمة، وتحول الاقتصاد إلى الاقتصاد التمويلى، والتحول نحو التكنولوجيا الرقمية. ولا يقع اللوم على أوباما فى ذلك بالكامل، غير أنه من المفارقات أن هذه الأوضاع تفاقمت فى ظل إدارة أعلنت رفضها عدم المساواة فى الدخل. وعلى الرغم من خطاب هذه الإدارة المناهضة لحكم الأقلية، شهدنا تركيزا سريعا للثروة وتراجعا للطبقة الوسطى فى عهد أوباما. ولم تقدم الحوافز، مع تركيزها على وظائف القطاع العام، شيئا يذكر للمواطن العادى. وتحت شعار حماية البيئة، ساعدت المحسوبية على زيادة الحسابات المصرفية لمديرى البنوك الاستثمارية واقطاب التكنولوجيا على حساب الجماهير.

وصار كل هم الكثير من الأغنياء، كيفية انفاق مكاسبهم غير المشروعة، والتهرب من دفع الضرائب عليها. وسمحت إدارة أوباما بالتنسيق مع الكونجرس بأن تواصل الأقلية الغنية دفع ضرائب على أرباح رأس المال، أقل بكثير من معدل ضريبة الدخل التى يدفعها الفقراء المهنيون، وأصحاب الأعمال الصغيرة وأنواع الفنيين أصحاب المهارات العالية.

•••

وأضاف كوتكين؛ يعتبر كلا الحزبين مسئولا عن ذلك. فمن المعروف أن الولاء الجمهورى لمصالح طبقة المستثمرين قائم منذ فترة طويلة. ولكن أوباما والديمقراطيين أيضا يحصلون على دعم لقضاياهم «التقدمية» من أولئك الذين يستفيدون أكثر من عمليات الإنقاذ الفيدرالية، والقروض الميسرة، وانخفاض أسعار الفائدة، وخفض ضريبة أرباح رأس المال: تجار وول ستريت، وأصحاب رؤوس الأموال والمديرين التنفيذيين فى مجالات التكنولوجيا. كما استفادت المؤسسات المالية الكبيرة إلى حد كبير من القواعد التنظيمية التى تضمن بقائها، فى حين تسمح بزيادة تركيز الأصول المالية.

ويرى الكاتب أن إدارة أوباما كانت أقل مراعاة لشعور الآخرين من أصحاب المشروعات الصغيرة. ففى عام 2010 انخفضت هذه المشروعات التى ظلت فترة طويلة مصدرا رئيسيا لفرص العمل الجديدة، إلى 35 فى المائة من إجمالى نمو المشروعات الاستثمارية، من 50 فى المئة فى أوائل الثمانينيات. كما كشف تقرير بروكينجز لعام 2014، انخفاض نمو الشركات الجديدة مقارنة مع معدل إغلاق الشركات القديمة، بشكل كبير خلال العقد الماضى. وهناك تفسيرات كثيرة لهذا الانخفاض، بما فى ذلك النشاطات فى الخارج، والعولمة والتكنولوجيا. ولكن الكثير يمكن أن يعزى إلى التوسع فى القواعد التنظيمية. ووفقا لتقرير صادر عام 2010 عن «إدارة الأعمال الصغيرة»، تنفق الشركات الصغيرة على موظفيها أكثر ـ بواقع الثلث ـ مما تنفقه الشركات الكبيرة على الموظفين الذين يمكن أن يساعدوها على تلبية إملاءات السلطات الفيدرالية. وتأتى أكبر ضربة للمشروعات الصغيرة من القواعد التنظيمية البيئية، التى تكلف الشركات الصغيرة أضعاف ما تتكلفه الشركات الكبيرة. كما كان أصحاب الأعمال الصغيرة والمهنيين العاملين لحسابهم الخاص أيضا من بين الفئات الأكثر تأثرا، بسبب إلغاء التأمين الصحى عليهم، بموجب قانون الرعاية بأسعار معقولة.

•••

وفيما يتعلق بسياسة الأقلية، أكد الكاتب على أن كل مجتمع لديه الأقلية الغنية الخاصة به، أولئك الذين يتولون القيادة ويضعون أسس المستقبل. ومن الناحية الاقتصادية، تعتبرالأقلية ضرورة كمبدعين ومستثمرين فى الإمكانات الاقتصادية الجديدة. فعلى الرغم من أن البارونات الكبار من لصوص القرن 19، كانوا يتصرفون بلا رحمة فى كثير من الأحيان، إلا أنهم تركوا تراثا هائلا فى شكل صناعات مثل الصلب، والمرافق والسكك الحديدية التى قام عليها عصر الصناعة. ولكن فى وقت لاحق، بسبب الإصلاحات والمزيد من التوسع فى الاقتصاد، تم ترجمة عمل الأقلية إلى ثراء شامل.

وكانت الحاجة إلى تحجيم نفوذ الأقلية واضحة لزعماء مثل تيودور روزفلت الذى وصف أقطاب عصره بأنهم «المخربون أصحاب الثروات الكبيرة.» و فى أوائل القرن 20، ثار كثير من التقدميين والشعوبيين، فضلا عن الحركة الاشتراكية المتزايدة، ضد نفوذ الأقلية. ويبدو أن الخوف من تركيز السلطة، ومناهضة الديمقراطية أثار قلق المؤسسين، مثل جيفرسون وماديسون، اللذين واجهوا نوعا مختلفا جدا من الأوليجاركية خلال الحرب من أجل الاستقلال. كما يدرك العديد من الأمريكيين، إن لم يكن معظمهم، أن اقتصاد امريكا السياسى لم ينجح بالنسبة لغالبية البلاد. حيث تعرفت الغالبية العظمى على واقع رأسمالية المحسوبية، وفهمت أن العقود الحكومية تذهب إلى ذوى العلاقات السياسية. غير أن الأمر الأكثر إثارة للقلق، أن أقل من ثلث المواطنين يصدق أن البلاد تدار بنظام السوق الحر. وتظن الغالبية أن الحلم الأمريكى يتراجع بشكل متزايد.

واستطرد كوتكين؛ اليوم، يدرك الأمريكيون على نحو متزايد نفس التهديد الذى أدركه برانديز. فقد توقفت السياسة الأمريكية عن العمل كدولة ديمقراطية وتحولت إلى ما يشبه النخبة الثرية الناشئة. وفى هذه الأيام، يتحدد الخيار السياسى عبر مجموعات من المليارديرات متصارعة، تغازل اليمين واليسار لمعرفة أيهما سيكون الأفضل لتحقيق مصالحهم.

وفى عام 2012، فاز الرئيس أوباما فى ثمانية عشر أغنى المقاطعات فى البلاد، وأحيانا بنسبة اثنين إلى واحد أو أفضل من ذلك. كما انتصر أيضا بسهولة فى كل المقاطعات الكبيرة تقريبا، التى تتمتع بأعلى كثافة من أصحاب الملايين وبين الأثرياء مديرى صناديق التحوط.

•••

واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن تأثير شراء الأقلية ذات النفوذ الهائل لكلا الحزبين يقوض صميم بنية النظام الديمقراطى، ناهيك عن اقتصاد قادر على المنافسة. لأنها تتيح لمجموعة محددة من أصحاب المصالح ـ وول ستريت، وادى السليكون، ومنتجى الوقود الأحفورى أو الطاقة المتجددة – فرصا هائلة لدعم أو تحطيم المرشحين. وفى غمار المعركة القوية، تتحول الطبقات الوسطى على نحو متزايد إلى موقف المتفرج. ويشعر العديد من الأمريكيين اليوم بالقلق، وهم محقون فى ذلك، إزاء هذا التركيز للثروة والسلطة. ولكن هذا التفاعل الشعبى يجد الآن التعبير عنه أساسا على هامش السياسية. فقد كانت أصول حفلة الشاى، على سبيل المثال، فى معارضة عمليات إنقاذ البنوك التى تلت الأزمة المالية. وليس من المستغرب، أن يدفع هذا بعض مديرى البنوك الكبيرة إلى الحذر من هذه الحركة اليمينية، كما شعروا بالقلق من حركة احتلوا وول ستريت.

وفى المقابل، لا تشعر الأقلية الغنية بالخوف من التيار الرئيسى لأى من الحزبين، رغم أن هناك دلائل على وجود دخان يفوح فى الأفق السياسى. ومازالت الأصوات المعارضة، سواء من اليمين أو اليسار، بعيدة عن الممرات الرئيسية للسلطة الاتحادية ولكنها تقترب. وينبغى ألآ تطمئن الأقلية كثيرا. فهناك أوقات - كما حدث فى السنوات الأولى من القرن الماضى، ومرة ​​أخرى فى الثلاثينيات- عندما لا يكون الاقتصاد السياسى فى صالح الغالبية العظمى، فإنه يشعل النار فى الهشيم السياسى. ونحن لم نصل هذا الحد حتى الآن، ولكننا قد نصل إليه قريبا، إذا استمرت الصفقة الفاسدة بين الأقلية والطبقة السياسية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved