فعل فاضح

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 9 يوليه 2015 - 11:00 ص بتوقيت القاهرة

مشروع قانون «تشجيع الإرهاب»، المسمى مجازا «قانون مكافحة الإرهاب» هو فعل فاضح فى «القانون العام» يثير الحزن والخوف على مستقبل مصر إذا كان القائمون على أمر التشريع فيها بهذا القدر من ضعف الكفاءة وغياب الرؤية، ناهيك عن افتقاد الحد الأدنى من احترام الدستور الذى لم يجف حبره واحترام المبادئ العامة لحقوق الإنسان وسيادة القانون.

فكيف ارتضى الضمير الإنسانى والمهنى لهؤلاء الذين يتولون مسئولية التشريع فى غيبة البرلمان وضع تعريف للفعل الإرهابى مكون من 201 كلمة بحيث يصبح معه مجرد التظاهر أمام مصلحة حكومية أو وحدة محلية أو مستشفى أو مدرسة أو جامعة عملا إرهابيا يتيح لرجال الأمن إطلاق النار على المتظاهرين دون أى محاسبة؟.
المفارقة أن هذا التعريف يضع القائمين على إعداد هذا المشروع تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب لأنهم بهذا الفعل التشريعى الفاضح «يعطلون تطبيق أحكام الدستور» الخاصة بحرية التعبير وعدم جواز الحبس فى قضايا النشر وحق أى متهم فى الحفاظ على سلامته حتى خضوعه للمحاكمة باعتبار المتهم بريئا حتى تثبت إدانته.

وكيف ارتضى ضمير هؤلاء استخدام كلمة «لا يسأل جنائيا القائمون على تنفيذ هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجبهم» ليعطوا لرجال الأمن حصانة عند قتل أى مواطن لمجرد الاشتباه فى أنه إرهابى ويعطى رجال التحقيق حق تعذيب المتهمين والمشتبه فيهم فى قضايا الإرهاب بدعوى أنهم يؤدون واجبهم مادام استعمال القوة كان ضروريا وبالقدر الكافي؟
كيف يمكن معاقبة المدان بتهمة التحريض على جريمة بالعقوبة الكاملة للجريمة حتى لو لم تقع الجريمة من الأساس أو حتى لو لم يترتب على هذا التحريض أثر؟ أين إذن مبدأ التمييز فى العقوبة بين «الشروع فى الجريمة» وارتكاب الجريمة الكاملة؟

ثم نصل إلى المادة 33 التى تقول «يعاقب بالحبس الذى لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية» وكأن البيانات الرسمية هى الحق المطلق النازل إلينا بوحى من السماء.
العدوان الفج على مواد الدستور ومبادئ حقوق الإنسان فى هذا القانون لن يقضى على الإرهاب بل ربما ساهم فى تشجيعه ودفع المزيد من الشباب إلى أحضان التطرف إذا ما أوقعهم حظهم العاثر تحت طائلته لمجرد كتابة «تدوينة» تعارض النظام أو حتى تدعو إلى تغييره حيث يمكن اعتبار ذلك تحريضا على الإرهاب أو حطا من شأن البلاد والقائمين عليها.

وأخيرا أقول لهؤلاء الذين يملئون الدنيا ضجيجا حول «خطر سقوط الدولة المصرية» لمجرد وجود شرذمة من المتطرفين الذين يمارسون العنف هنا أو هناك، إن الدول لا تسقط بالإرهاب فقط وإنما تسقط أيضا عندما يسقط دستورها وعندما يستغل النظام أى جريمة تقع من أجل إحكام قبضته على السلطة وقطع الطريق على ظهور أى معارضين له بدعوى الحفاظ على السلم العام واستقرار المجتمع وأمنه وسلامته وكل هذه التعبيرات البراقة التى لا تعنى فى حقيقتها سوى الحفاظ على كرسى الحكم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved