«التنكيل القانونى» بلصوص الأراضى

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 9 يوليه 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

إحدى اللجان المكلفة بتسعير الأراضى الصحراوية والمستصلحة كان عدد أعضائها فوق ١٣٤ عضوا. وعندما تشكلت لجنة «استرداد أراضى الدولة ومستحقاتها» قبل شهور قليلة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء السابق، والمستشار الحالى لرئيس الجمهورية للمشروعات القومية الاستراتيجية، فإن نحو مائة من أعضاء لجنة التسعير والتثمين قدموا استقالاتهم. التفسير المبدئى لاستقالة هؤلاء أن النظام الجديد فى العمل لم يعد مجديا. كان فى أيدى هؤلاء صلاحيات واسعة لتسعير الأراضى رفعا أو خفضا، ربما كانت هناك مجاملات، ربما كانت هناك رشاوى.

هذه القصة هى أفضل دليل على أن الحرامية أو اللصوص أو ناهبى أراضى الدولة قد وصلت إليهم رسالة واضحة خلاصتها أن حق الشعب لابد أن يعود. «المال السايب يعلم السرقة» كما يقولون، ولذلك فإن بعض موظفى وزارة الزراعة قد فسدوا فى الأرض وأفسدوا آخرين، وهكذا توالت إدانات الكثير منهم، بمن فيهم وزير الزراعة السابق صلاح هلال الذى وصفه مسئول كبير سابق بأنه «فلاح مسكين وغلبان ومن دون خبرة ووقع ضحية مدير مكتبه»، معتقدا أن مجرد الحصول على بدلة جديدة أو عضوية ناد رياضى ليس رشوة»؟!.

الفساد فى ملف الأراضى المستصلحة متشعب وكبير، ويكفى أن شخصا واحدا استولى على ٣٧ ألف فدان، وهناك آلاف الاشخاص الذين استولوا على مئات الآلاف من الأفدنة.

هؤلاء ليسوا أفرادا، بل أقرب ما يكونون إلى شبكة منظمة وأخطبوطية، بعضهم عمل فى الشرطة والقضاء، وضعوا أيديهم على الأرض مباشرة، أو ساعدوا آخرين على الحصول عليها مقابل نسبة محددة لهم.

بطبيعة الحال لا يمكن اتهام كل صاحب أرض صحراوية أو رجل أعمال حصل على أرض بأنه لص. هناك كثيرون استصلحوا الأراضى وزرعوها وعمروها فى اطار القانون، هؤلاء لهم كل التحية والتقدير. والمطلوب ألا نعمم ونخلط بين اللص والشريف فى هذا الملف، ومن أجل هؤلاء الشرفاء مطلوب الضرب بيد من الحديد على الفاسدين وإرهابهم حتى يصبحوا عبرة للصوص الجدد.

سألت مسئولا مطلعا على هذا الملف عما يتردد عن وجود ضباط وقضاة بين الذين استولوا على الأراضى أو وضعوا أيديهم عليها، فقال نعم، بل وحاولوا عرقلة عمل اللجنة وكل اللجان السابقة، لكن اللجنة تلقت تعليمات واضحة من الرئيس والحكومة بتطبيق القانون الصارم على الجميع.

قبل أسابيع كان أحد هؤلاء الحيتان ــ غير المعروفين فى المجتمع ــ يعتقد أنه محصن تماما، ولن يصل إليه القانون، تلقى أكثر من تلميح ثم تصريح، ثم طلب بالتسوية، لكنه «طنش»، فى النهاية تم القبض عليه طبقا للقانون. الآن هو يجرى وراء اللجنة ومستعد أن «يبوس أيدى الجميع» من أجل سرعة تسوية الملف وإعادة حق الدولة والشعب.

علمت أن إعلاميين بارزين لعبوا دورا مشبوها فى الدفاع عن بعض حيتان الأراضى، اتصلوا بمسئولين لوقف اتخاذ إجراءات محددة، وبعضهم استغل المنبر الإعلامى للدفاع عن هؤلاء اللصوص.

فى تقدير من تحدثت إليه، فإن الأمر ليس سهلا أن تقضى على شبكة فساد متكاملة الأركان تكونت وترعرعت وتعملقت وتشعبت منذ عام ١٩٧٤ تقريبا، عقب بدء سياسة الانفتاح الاقتصادى فى عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات. ما سمعته كلام مطمئن جدا، بأن أى شخص حصل على أى مليم من الدولة بدون وجه حق سوف يعيده، خصوصا أن لجنة محلب تضم مجموعة من الشباب المتحمس والوطنى الذى بات يعلم معظم تفاصيل هذا الملف الشائك.

الكلام طيب ومبشر، لكننا ننتظر نتائج على الأرض. ولو جاز لى تقديم نصيحة إلى اللجنة والحكومة والرئاسة وكل من يهمه الأمر، هو ضرورة الإسراع بمعالجة كل هذه الملفات العالقة والإعلان عنها أولا بأول و«التنكيل» بكل من يرفض رد حق الشعب ولكن بالقانون. لو حدث ذلك فسوف تصل رسالة واضحة لغالبية الناس بأن هناك جدية فى استعادة حق الشعب، وبالتالى يبدأ الناس فى تصديق أن الحكومة جادة هذه المرة.

كل التوفيق للجنة محلب فى مهمتها الصعبة جدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved