التاريخ العلمى المصرى

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 9 يوليه 2022 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

منذ عدة أيام حضرت محاضرة جميلة ودسمة عن تاريخ القاهرة والتى نحتفل بعيد إنشائها الثالث والخمسين بعد الألف فى السادس من يوليو، المحاضرة ألقاها العالم الكبير الدكتور أيمن فؤاد سيد، المحاضرة كانت ممتعة ولكنها أثارت شجونا، هى ممتعة نظرا لكم المعلومات التاريخية والجغرافية التى تم عرضها بأسلوب سلس، لكنها أثارت شجونا لكاتب هذه السطور المهتم بتاريخ العلوم وسير وتراجم العلماء وقد نشرت مقالتين منذ مدة طويلة عن: لماذا نهتم بتاريخ العلوم؟ ولماذا نهتم بسير العلماء؟ الشجون تأتى من اهتمامنا بتاريخنا سواء الفرعونى أو الإسلامى أو الحديث لكن لا نهتم بتاريخنا العلمى وهو ما سنتكلم عنه فى هذا المقال.
منذ عدة سنوات وفى زيارة للندن قمت بزيارة المتحف العلمى فى المجمع الملكى (Royal Society) حيث تعرض أدوات علمية تاريخية وملاحظات ومذكرات بخط مايكل فاراداى العالم الإنجليزى المعروف باكتشافاته فى مجال الكهرومغناطيسية. المتحف كان يعرض أدواته ومذكراته بالإضافة إلى لوحات كبيرة تؤرخ للاكتشافات العلمية التى تمت فى المجمع العلمى.
فى زيارة أخرى لفرنسا وتحديدا لمدينة أمبواز (Amboise) زرت البيت الذى كان يعيش فيه ليوناردو دافنشى آخر عدة سنوات من حياته، البيت تحول إلى متحف يعرض أدواته ونماذج للوحاته ومبتكراته وكراسات مليئة بكتابات بخط يده.
أعتقد عزيزى القارئ أنه يمكنك أن تستنج إلى أين يقودنا هذا الحديث. نحن نهتم فى مصر بالتاريخ السياسى والاجتماعى والفنى والأدبى والثقافى، فقد زار كاتب هذه السطور متحف أم كلثوم ومتحف نجيب محفوظ ومتحف مصطفى كامل إلخ، ونجد الكثير من الكتب والمحاضرات عن تاريخنا فى كل نواحيه إلا التاريخ العلمى.
منذ العصر الفرعونى وحتى عصرنا الحديث هناك الكثير مما يمكن التحدث عنه فيما يخص المبتكرات والاكتشافات العلمية فى مصر، وقد يتساءل البعض: «وهل لنا تاريخ علمى؟»، هذا السؤال فى حد ذاته يدل على أننا لا نعرف هذا الجزء من تاريخنا، الأمر ليس فقط عن بناء الأهرامات والمعابد الكبيرة ولكن تاريخ مصر العلمى يمتد لما بعد العصر الفرعونى بكثير، عندما بدأ كاتب هذه السطور كتابة مقاله الأسبوعى منذ 2016 كانت مقالات أول سنة تقريبا تتحدث عن بعض العلامات المضيئة فى تاريخنا العلمى الحديث عن طريق الحديث عن بعض علمائنا فى القرن الماضى، وهذا قد يكون بداية الطريق للتأريخ العلمى المصرى لكنه فقط البداية وغيض من فيض. هل كنا سنعرف عن الدكتور أحمد زويل لو لم يفز بجائزة نوبل؟ ماذا نعرف عن الدكتور محمد كامل حسين رائد جراحات العظام فى مصر وفى نفس الوقت أديب كبير وأحد القلائل الحاصلين على جائزة الدولة فى العلوم والآداب؟ هل نعلم شيئا عن الدكتور أحمد زكى عاكف وهو كان حاصلا على دكتوراه العلوم من إنجلترا ووقتها لم يكن حاصلا على هذه الدرجة (التى تفوق دكتوراه الفلسفة) فى مصر، بل وفى إفريقيا كلها إلا الدكتور على مصطفى مشرفة وجدد ما يعرف الآن بالمركز القومى للبحوث وكذلك مصلحة الكيمياء بل وأنشأ مجلة العربى الكويتية؟ هناك الكثير من النجوم الساطعة لكن التاريخ العلمى ليس فقط سير العلماء، بل هناك ما هو أكثر، هل نعلم شيئا عن معشبة كلية العلوم جامعة القاهرة التى تم إنشاؤها منذ أكثر من سبعة عقود على يد الأستاذة السويدية الراحلة فيفى تاكهولم وتعتبر الأكبر فى إفريقيا فى علوم النباتات ومن الأكبر فى العالم؟ هل نعلم شيئا عن متحف الحشرات والعالمين الجليلين فى هذا العلم حسن أفلاطون ومحمود حافظ؟ وهذا كله فى العصر الحديث فماذا عما قبل ذلك؟
قد يقول قائل نحن يهمنا السياحة لأنها مصدر مهم للدخل القومى وأيضا قوة مصر الناعمة والسياح لا يهتمون إلا بالعصر الفرعونى، هذا قول نصفه فقط سليم، السياح يهتمون بالعصر الفرعونى لأن هذا ما نظهره لهم، لكن ماذا عن العصور التى تلت؟ يمكن أن تزيد من قوة مصر الناعمة وأيضا تزيد من السياحة لأننا نستطيع أن نصنع «السياحة العلمية» إذا استطعنا أن نؤرخ لتاريخنا العلمى ونضعه للعالم بطريقة شيقة، هذا بالنسبة للعالم، بالنسبة للداخل فهذا موضوع مهم لأنه سيدفع الشباب إلى الفخر وإلى حب العلم واحترامه، هناك دائما علامات مضيئة فى التاريخ العلمى حتى فى عصور الضعف، علينا فقط أن نولى تاريخنا العلمى اهتماما يوازى اهتمامنا بالتاريخ السياسى، والاجتماعى، والفنى، والأدبى.
أتمنى أن يصبح عندنا مؤرخون لتاريخ العلوم خاصة التاريخ العلمى المصرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved