فى تقديم محمود درويش

محمود الخفيف
محمود الخفيف

آخر تحديث: الجمعة 9 أغسطس 2013 - 10:30 ص بتوقيت القاهرة

فى الأول من أبريل سنة 2004 حل الشاعر محمود درويش ضيفا على نادى الكتاب العربى فى الأمم المتحدة فى جنيف، وهو نادٍ ثقافى لناطقى اللغة العربية من عاملين أو دبلوماسيين لدى مركز الأمم المتحدة الأوروبى.

ولحسن حظى كنت رئيس النادى فى هذه الفترة ومن ضمن من ساهموا للتحضير للأمسية الشعرية التى أحياها الشاعر الكبير فى مساء ذلك اليوم، والتى أقيمت فى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى جنيف، وزاد عدد الحضور على الألف، ليس فقط من العرب المقيمين فى سويسرا بل من كل جنسيات العالم. وهذا نص الكلمة التى قدمت بها محمود درويش فى بداية الامسية:

حين فكرنا فى استضافة ضيف الليلة أخذت أفكر كيف يمكننى أن أقدم بعد كل ما قيل وكتب عنه، كيف يمكننى أن أجد الكلمات وهو ملك كل الكلمات، وهو من استطاع أن يلخص العلم كله وجزأه، يلخص العالم بصراعاته وأحاسيسه وأحزانه وأفراحه ومآسيه، أن يلخص كل ذلك فى كلمات معدودة يعجز أى إنسان آخر أن يرصها فى أبيات فيجسد عالم الإنسان العربى الأمس واليوم وغدا.

●●●

ما هى الكلمات التى يمكن أن تعطيه حقه وهو من استطاع أن يبسط ذراعيه من مشرق بلاد العرب إلى مغربها، من استطاع أن يغوص إلى أعماق تاريخ مجتمعنا العربى، من استطاع أن يجمع بين أصابعه حاضرنا، وهو من حاول ويحاول أن يشب ليتلمس السحاب ليستشرف مستقبلنا. ببساطة هو من جمع تاريخ وجغرافية أمة فى كفيه وعصرهما فأخرج أشعارا تكشفنا وتكاشفنا وتعكس مشاعرنا وأفكارنا وطموحاتنا التى نعجز نحن عن النطق بها أو التعبير عنها.

هو من اختزل الدنيا فى كلمات تتحرك ذات طيف ولون وصوت ورائحة وطعم، كلمات حين نسمعها منه تتحرك صدورنا ونبدأ فى تذوق طعم حياتنا التى نمضغها فى اليوم ألف مرة ولكن لا نتذوق مرارتها أو حلاوتها إلا حين نسمعها منه. كلماته تنبض لها قلوبنا وتشعرنا أننا ما زلنا نشعر، ما زلنا أحياء نتألم، نحزن، نفرح، نكره، نعشق، ونموت، ونحيا.

ضيفنا اليوم هو الإثبات أن الإنسان دائما أبدا قادرا على الصدق والحس والنطق والكلام على الرغم من فظاعة وفداحة المأساة. أن اكبر دليل على ذلك الحس الصادق هو هذا الدفء وهذا الحضور الضخم فى هذه القاعة.

●●●

وبعد الكثير من البحث خاب أملى أن أجد من الكلمات ما يعطيه حقه، ولهذا فإنى أستسمحه، وأيضا أستسمحه ليعيرنى بعضا من كلماته لكى يقدم نفسه بنفسه، فهو يقول فى أشعاره إنه «عربـى...»، وإنه لغته ولغته هو...، وعن اسمه ذى الأحرف الخمس يقول إن هذا الاسم هو لـه...، ضيفنا هو «م» المتيم، «ح» الحديقة، «م» المغامر، «و» الوداع، وهو بلا جدال «د» الدليل «د» الدرب. ضيفنا اليوم هو عاشق من فلسطين من بغداد والخرطوم والرباط والقاهرة ودمشق هو عاشق من كل بلد عربى. هو شــاعرنا الكبـير محمـود درويـش.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved