هل هو تعديل الجزيرتين؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الثلاثاء 9 أغسطس 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

هذا تعديل تشريعى مشكوك فى براءته وخطير فى دلالته ومفجع فى رسالته. أتحدث عن التعديل الذى أدخل على قانون مجلس الدولة، الذى له أهميته فى مصر لأنه ينظم العلاقة بين السلطة والمجتمع. ولهذا السبب فإنه اعتبر من القوانين المكملة للدستور التى تحتاج إلى أغلبية الثلثين لإقرارها. وهو ما تم فى جلسة الاثنين ٨ أغسطس الحالى. أهم ما فى التعديل أنه أضاف مادة جديدة تحت رقم ٥٠ مكرر، جاءت مكملة لنص المادة ١٩٠ من الدستور التى قضت باختصاص مجلس الدولة دون غيره بالفصل فى منازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، حيث قصرت الاختصاص بنظر إشكالات التنفيذ ومنازعاته المتعلقة بالأحكام الصادرة عن مجلس الدولة على المحاكم دون غيرها. ونصت على أن رفع الإشكال يؤدى إلى وقف تنفيذ الحكم المستشكل عليه. وأوجبت المادة على المحكمة أن تفصل فى الاستشكال خلال ٣٠ يوما من تقديمه. وذلك دون أخذ رأى هيئة مفوضى الدولة. ويظل الأثر الواقف للإشكال منتجا لآثاره حتى تفصل فيه المحكمة المختصة أو تصدر دائرة فحص الطعون المختصة بالمحكمة الإدارية العليا أو محكمة القضاء الإدارى حكمها فى طلب وقف تنفيذ الحكم المنظور أمامها، ولا يترتب على رفع الإشكال أمام أية محكمة أخرى وقف تنفيذ الحكم.

هذه المادة التى تبدو وكأنها تعديل تشريعى برىء يتعذر افتراض حسن النية فيها أو القصد منها إلا باسترجاع خلفياتها. ذلك أننا لا نستطيع أن نفصلها -الي حد كبير-عن القرار التاريخى الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى فى ٢١ يونيو الماضى، وقضت فيه ببطلان توقيع ممثلى الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود، استنادا إلى ما استقر فى يقين المحكمة بشأن السيادة المصرية على جزيرتى تيران وصنافير. الأمر الذى يبطل التصرف فيهما لأى دولة أخرى تحت أى ظرف.
هذا القرار فاجأ الحكومة ووضعها فى موقف حرج، لأنه جاء معطلا لآثار القرار السياسى بخصوص الموضوع. كيف تصرفت الحكومة إزاء ذلك؟ الإجابة فيما يلى: تقدم أحد المواطنين «الشرفاء» باستشكال أمام محكمة عابدين لوقف تنفيذ حكم مجلس الدولة. وتحدد يوم ٣٠ أغسطس لنظر الدعوى. وكان مثيرا للانتباه ان الطلب قدم إلى محكمة غير مختصة، لأن أحكام القضاء الإدارى وفقا لدستورى ٢٠١٢ و٢٠١٤ وقانون مجلس الدولة، لا يوقف تنفيذها إلا حكم صادر عن نفس المحكمة التى أصدرت الحكم.

فى رأى الأستاذ خالد على رئيس فريق الدفاع عن مصرية الجزيرتين أن إصدار التعديل التشريعى لا يستهدف فقط وقف تنفيذ حكم الجزيرتين، ولكنه يفتح الباب واسعا لتهرب الحكومة من الالتزام بأحكام مجلس الدولة التى لا ترضى عنها. وذلك بمجرد رفع إشكال التنفيذ، ودون الرجوع إلى رأى مفوضى الدولة. يضيف أن السيناريو المتوقع يستهدف استصدار حكم من المحكمة غير المختصة يوقف تنفيذ قرار مجلس الدولة لفرض واقع على الأرض، يسمح للحكومة بعرض الاتفاقية على مجلس النواب. إلا أن ذلك لن يوقف الإشكال القانونى لأنه حتى فى حالة صدور حكم يوقف التنفيذ فإنه ذلك سيشكل صداما مع مجلس الدولة، ليس فقط لعدم اختصاص المحكمة التى عرض عليها الاستشكال ولكن أيضا لأن القرار الصادر فى هذا الصدد من محكمة عابدين يسرى منذ يوم صدوره، ولا يجوز له أن يطبق بأثر رجعى ليشمل قرار مجلس الدولة الصادر فى ٢١ يونيو الماضى.

هناك اعتقاد أن التعديل أريد به ايقاف تنفيذ حكم مجلس الدولة بخصوص بطلان اتفاق جزيرتى تيران وصنافير. وبالتالي قد لا نبالغ كثيرا اذا ما طرحنا سؤال: « هل هو تعديل الجزيرتين»، أسوة بما حدث حين صدر القانون الذى يجيز لرئيس الجمهورية عزل رؤساء الأجهزة التى ينص الدستور على استقلالها وأطلق عليه آنذاك «قانون جنينة»، حيث أدرك كثيرون من ملابسات إصداره أنه أريد به عزل المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات الذى رفع الرضا عنه لأنه سبب ازعاجا للأجهزة السيادية.

إذا صح ذلك الاستنتاج فإنه يستدعى المخاوف التى أشرت إليها من حيث خطورة دلالة التعديل وفاجعة رسالته. ذلك أن إقرار التعديل يعد التفافا على القانون والدستور وإساءة استخدام سلطة التشريع، الأمر الذى يهدر قيمة القانون ويشكل إهانة لقضاء مجلس الدولة. فى الوقت ذاته فإننا نصبح بصدد حالة تتدخل فيها الحكومة بصورة غير مباشرة فى الأحكام القضائية لكى تصدر لصالحها، والتدخل هنا ليس مقصورا على ولاية القضاء لكنه تدخل أفدح فى سلطة القانون. وهو ما يوسع من دائرة الشبهات التى تمس جوهر العدالة. على صعيد آخر فإن استخدام مجلس النواب لتمرير التعديل ووقف تنفيذ حكم مجلس الدولة، يضعف الثقة فى دور البرلمان، الذى يثبت لنا كل حين أنه يمثل الحكومة ولا يمثل الشعب. وهو ما يشككنا فى قدرته على تحمل الأمانة والمسئولية المنوطة به بمقتضى الدستور. وسيكون محزنا حقا أن يقول قائل بأن ائتلاف «دعم الدولة» الذى يمثل الأغلبية البرلمانية، بات مطلوبا منه بعد الذى جرى أن يحدد للرأى العام فى مصر أى دولة يدعمها!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved