ماكرون ونصرالله.. تحالف رباعى جديد؟

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الأحد 9 أغسطس 2020 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب «حسين أيوب».. نعرض منه ما يلى.

أيام مضت على «النكبة». مأساة مقيمة فى كل بيت بيروتى. فى كل مؤسسة. جروح أعمق من أن تلتئم بسرعة. هذا حدث تأسيسى بكل معنى الكلمة.
منذ «الثلاثاء الأسود» أو «11 سبتمبر اللبنانى»، كرت سبحة التطورات فى لبنان.
دعونا نعود 16 سنة إلى الوراء. إلى العام 2004. إلى لحظة صدور القرار الدولى الرقم 1559. الرياح الدولية لاحت تباشيرها من بعد لقاء الرئيسين الأمريكى جورج بوش والفرنسى جاك شيراك فى يونيو 2004 فى النورماندى الفرنسية لمناسبة الذكرى الستين لإنزال قوات الحلفاء عند السواحل الفرنسية إبان الحرب العالمية الثانية. فى هذا اللقاء، لم يعد لبنان على خط الزلازل، كما هو حاله منذ الاحتلال الأمريكى للعراق. صار فى قلب الزلزال. ردّت سوريا، القابضة على أمر لبنان وأنفاسه، بأن قررت التمديد لإميل لحود رئيسا للجمهورية. أعطت الإشارة للقاء عين التينة الذى لم يُهمل حزبا أو شخصية من حلفاء سوريا (انقلب عدد منهم لاحقا عليها)، وذلك تحت مظلة رئيس مجلس النواب نبيه برى.
وقتذاك، كان حزب الله فى عز صعوده، بعد سنوات على التحرير وما اكتسبه من عطف لبنانى وعربى وإسلامى. لم تكن روسيا لتُغير شيئا فى المشهد الدولى. اكتفى سفيرها الآتى حديثا إلى بيروت (الراحل سيرغيه بوكين) بالتحذير من حريق لبنانى كبير فى ظل موجة التدويل الزاحفة. ولدت حكومة عمر كرامى، بعدما دُفع رفيق الحريرى إلى تقديم استقالته. انخرط الجميع فى لعبة تجميع الأوراق. بدا الفريق السياسى المناهض لسوريا مشدودا إلى الانتخابات النيابية. القانون الانتخابى وتقسيماته. اللوائح والتحالفات و«الودائع».
***
فى 14 فبراير 2005، سقط رفيق الحريرى شهيدا. كانت عبارة «شكرا سوريا» ولّادة «14 آذار». سقطت حكومة كرامى فى الشارع. سقط التحقيق المحلى ثم العربى. لا بد من تحقيق دولى. للمرة الأولى منذ وصول رفيق الحريرى إلى السلطة، يأتى رئيس للحكومة (نجيب ميقاتي) فى لبنان بإرادة دولية وإقليمية (فرنسية ــ سورية ــ سعودية وبدور جزائرى لم يكشف النقاب عن تفاصيله حتى الآن). قرر حزب الله أن يحنى رأسه للعاصفة، لا سيما بعد أن قررت سوريا الانسحاب نهائيا من لبنان. اتخذت الحماية الموعودة شكل «تحالف رباعى» («الثنائى الشيعى» أمل وحزب الله وتيار المستقبل والحزب التقدمى الاشتراكى والقوات اللبنانية). انعقدت الأكثرية لفريق 14 آذار، لكن ممهورة بختم السيد حسن نصرالله الذى رفع شعار بشير الجميل (10452كلم2) فى أثناء إعلان لائحة بعبدا ونواتها تحالف حزب الله والقوات اللبنانية فى مواجهة ميشال عون. كل صمامات الأمان التى حاول حزب الله صياغتها تبخرت كليا، من خلال ماكينة القتل التى كانت تستولد وقائع سياسية جديدة، أخطرها وضع لبنان على سكة التدويل (المحكمة الدولية).
منذ ذلك الزمن، تغيرت وقائع لبنانية كثيرة، لعل أخطرها هذه المرة الواقع الاقتصادى والمالى.
سقطت حكومة سعد الحريرى وسقطت معها التسوية الرئاسية ووجد حزب الله نفسه وحيدا فى مواجهة استحقاقات داخلية استثنائية. هو من قرر أن يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية، وهو من يملك الأكثرية النيابية ويقرر هوية رئيس الحكومة.
برغم كل ما بلغه حزب الله حاليا من نفوذ فى معادلات لبنان والإقليم، بدا للبعض كأنه أضعف من لحظة القرار 1559. قبل 16 سنة، كانت أمريكا من خلال احتلالها للعراق دولة جوار لسوريا وضمنا للبنان. أما السعودية، وبرغم ما أصاب نفوذها فى لبنان، قبل اغتيال الحريرى وبعده، فقد اتسم سلوك قيادتها بالهدوء والعقلانية ومحاولة إنتاج صياغات سياسية مقبولة للواقع اللبنانى. حزب الله المهجوس بمحظور الفتنة السنية الشيعية وانتقال الفيروس المذهبى من بغداد إلى بيروت، لم يقصّر فى حياكة صياغات تجعله يتفادى هذا الكأس المر، غير أن فريقا لبنانيا وازنا مُدعما بـ«قناصل» مؤثرين، كان له بالمرصاد محاولا تغيير الوقائع اللبنانية.
انتهت تلك الحقبة إلى خيبة 14 آذارية كبيرة. الأمريكيون يغدقون الوعود على «ثورة الأرز»، ولا يترجمونها بأية خطوة عملانية. هذا هو لسان وليد جنبلاط، قبل أن يكتشف لاحقا أن صديقه جيفرى فيلتمان كان أحد أبرز المتحمسين فى الإدارة الأمريكية للاتفاق النووى مع إيران!
حتما، استعاد السيد حسن نصرالله هذا الشريط فى الأيام الماضية التى أعقبت 11 سبتمبر اللبنانى. ومن تابع بعض الإعلام القريب أو التابع لحزب الله، لاحظ خشية من مشروع جديد لتدويل الواقع اللبنانى، من خرم انفجار مرفأ بيروت. لكأن هناك من يريد تكرار سيناريو 2005. متفجرة تصرع رفيق الحريرى فى وسط العاصمة. تسقط حكومة عمر كرامى. الانتخابات النيابية الآن.. الإمساك بالسلطة.. وصولا إلى حرب 2006. حصل الانفجار فى المرفأ. أصوات تطالب بسقوط حكومة دياب والعهد. توجيه أصابع الاتهام إلى حزب الله. مطالبة بتحقيق دولى.. إلخ.
***
ثمة مفارقات لا بد من التوقف عندها: إميل لحود كان مطعونا بشرعية التمديد له، سواء بالقرار 1559، أم بمعارضة شريحة لبنانية وازنة على رأسها رفيق الحريرى. فى المقابل، يعتبر حزب الله أن عون لا يمكن أن تزحزحه كل أعاصير الأرض، برغم التراجع الدراماتيكى القياسى فى شعبية «الجنرال»، خصوصا فى شارعه المسيحى، وأبرز دليل على ذلك قراره بعدم تفقد الناس أقله فى المناطق المسيحية التى تضررت فى العاصمة بيروت.
الراحل عمر كرامى هو عمر كرامى. يتخذ قراره وحده. كان بديهيا أن ينفعل ويستقيل من دون أن يراجع أحدا فى العام 2005. أما حسان دياب، فهو آخر رئيس حكومة على وجه الكرة الأرضية يمكن أن يقدم استقالته حتى لو أطل رأسه من على شرفة السراى الكبير ورأى بيروت كلها تحترق.
ثم إن حزب الله الذى كان خائفا وغير مدرب كفاية لمواجهة استحقاقات الداخل بعد انسحاب سوريا من لبنان، فى العام 2005، هو غيره حزب الله فى العام 2020. لذلك، كان لا بد أولا من إسقاط مشروع التدويل بتوافق «الترويكا» الرئاسية، وبتواطؤ فرنسى مع قوى دولية وإقليمية، تُرجم بطلب رئاسى فرنسى بأن يتمثل حزب الله فى لقاء قصر الصنوبر. أراد إيمانويل ماكرون توجيه رسالة إيجابية من خلال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد بأن قال له أتمنى أن تكونوا إيجابيين فى الداخل اللبنانى، فأجابه ممثل نصرالله «لطالما كنا إيجابيين، وسنبقى حريصين على الأمن والاستقرار فى لبنان».
هذه التحية الفرنسية رد بمثلها الأمين العام لحزب الله، وهذه النقطة كانت موضع نقاش قيادى، فى ضوء بعض الحذر من أن تكون هناك قطبة مخفية فى الزيارة ومندرجاتها. لكن السيد نصرالله كان حاسما بقوله إننا قررنا أن نتعاطى بإيجابية مع هذه الزيارة. عمليا، يأتى ذلك استكمالا للمناخ الفرنسى الرافض لتدويل التحقيق فى انفجار مرفأ بيروت، مع تقديم مساعدة تقنية فرنسية وربما من دول أخرى معظمها أوروبية.
ليس هذا وحسب. عمليا، فك ماكرون الحصار الدولى عن لبنان وفتح نافذة جعلت دولا عربية وأجنبية كثيرة تقتدى بالخطوة الفرنسية.
ولعل أم المفاجآت فى لقاء قصر الصنوبر هى تبنى ماكرون خيار حكومة الوحدة الوطنية. أراد أقطاب 14 آذار لحكومة دياب أن تهوى لمصلحة حكومة حيادية، لكن الفرنسيين لا يريدون حكومة لا يتمثل فيها أى حزب لبنانى وتحديدا حزب الله، وهذه الرسالة وصلت أيضا إلى حزب الله، الأمر الذى شكّل عنصر طمأنة إضافية، وعبر عن ذلك أقرب الحلفاء وهو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذى طلب خلال لقاء قصر الصنوبر من ماكرون أن يرعى إطلاق مبادرة تعيد سعد الحريرى على رأس حكومة وحدة وطنية. صبّ الفرنسيون مياها باردة جدا على رءوس «الطامحين» لاستعادة السلطة، وذلك على وقع 11 سبتمبر اللبنانى.
وكان لافتا للانتباه أن رئيس فرنسا لم يكتف بالحث على الإصلاحات، بل هدد بفرض عقوبات على المسئولين اللبنانيين إذا لم تُنَفّذ الإصلاحات المطلوبة.
***
هذا العرض يحاول الإجابة عن سؤال اللحظة الحالية هل هى أصعب من لحظة 2004، 2005؟
أولا، لا يملك لا حزب الله ولا البلد ولا الناس ترف استنزاف المزيد من الوقت. أضاعت الحكومة الحالية العديد من الفرص ولا بد من تقديم نموذج جديد. إذا كانت عاجزة، وهذا الاحتمال هو المرجح، هل يمكن أن يبادر حزب الله إلى التضحية بهذه الحكومة، لمصلحة حكومة وحدة وطنية (التحالف الرباعى الجديد) ما يفسح فى المجال أمام تطوير موقف فرنسا وصولا إلى فك الحصار عن لبنان؟
ثانيا، قالها نصرالله بوضوح: فليكن التحقيق لبنانيا شفافا وبأمرة المؤسسة العسكرية وبأوسع مساعدة تقنية دولية.
ثالثا، لا بد من أن يقدّم حزب الله أدلة ملموسة على خطابه الداعى إلى بناء الدولة بوصفه المطلب الجامع للشعب اللبنانى، ولعل البداية من رفع الغطاء السياسى عن أى شخص مسئول عن جريمة مرفأ بيروت أيا كان.
رابعا، ثمة لحظة إقليمية ودولية مختلفة. هذا ما قاله نصرالله. لم يعد الأمريكى حاضرا فى المنطقة، كما فى العام 2003. لم تنهزم واشنطن لكن يدها ليست مطلقة. يسرى ذلك على قوى إقليمية حليفة للأمريكيين. إيران محاصرة لكن أذرعتها فى الإقليم لم تستسلم.
خامسا، حاذر نصرالله الحديث عن الفرضية الإسرائيلية فى الانفجار. أيضا لم يقارب رد حزب الله العسكرى الذى يترقبه الإسرائيليون انتقاما لمقتل أحد عناصر الحزب فى سوريا. فى هذه النقطة، أراد أن يترك الإسرائيلى أسير القلق، وفى الوقت نفسه، أراد طمأنة الداخل اللبنانى بأن الفعل العسكرى هو فعل إنسانى بامتياز ولا يمكن القفز فوق جروح الناس أو زيادتها.
حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى 3 نوفمبر، علينا أن نتوقع حالات من الجنون فى العديد من الساحات.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved