كل احتلال مصيره إلى زوال
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 9 أغسطس 2025 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
هل سينفذ رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قراره ويحتل كامل قطاع غزة، ويستقر هو وقواته هناك، ويقضى تماما على المقاومة الفلسطينية؟!
الإجابة ببساطة أن نتنياهو - وإذا نفذ بالفعل سيناريو احتلال القطاع على أرض الواقع، ولم يكن يستعمله كبديل للحصول على شروط تفاوضية أفضل مع حركة حماس- فقد ينجح فى احتلال القطاع والسيطرة عليه بعد شهرين أو ثلاثة أو حتى ستة، لكن الاستمرار فى السيطرة عليه بعد ذلك وإخضاع أهله تماما أمر مستبعد بنسبة ٩٩٫٩٪، إلا إذا نجح فى طرد أو قتل كل سكان القطاع وهو أمر مستحيل.
مرة أخرى لا توجد مقارنة بين إمكانيات وموارد الجيش الإسرائيلى وداعميه، خصوصا الولايات المتحدة، وبين إمكانيات المقاومة المحدودة والمحاصرة منذ عامين تقريبا، لكن كل تجارب التاريخ المماثلة تقول إن الاحتلال إلى زوال وإلى فشل فى النهاية مهما طال الوقت، ومهما بلغ بطش وقوة المحتل، وهذا درس يذكره ويكرره لنا التاريخ طوال الوقت قديما وحديثا.
قد تتمكن إسرائيل وجيشها من السيطرة على القطاع، والمؤكد أنها سوف تكمل تدمير ما لم تتمكن من تدميره طوال الـ ٢٢ شهرا الماضية، والمؤكد أنها سوف تقتل الآلاف، سواء كانوا مقاومين أو أطفالا ونساءً وشيوخا، كما فعلت منذ ٧ أكتوبر الماضى، وقد تنجح فى هدم كل بيوت ومنشآت القطاع، لكن وماذا بعد أن تفعل كل ذلك؟!
الإجابة أنها سوف تواجه الحقيقة المرة التى واجهها كل المحتلين فى النهاية.
الفارق فقط سوف يكون فى حجم الخسائر الذى سوف تتركه فى القطاع.
قد يقول البعض إننى حالم أو مثالى أو أتحدث بلغة العواطف، ولا أرى موازين القوى على الأرض.
والإجابة مرة أخرى، أننى بدأت كلامى بأن إسرائيل يمكنها احتلال القطاع والضفة والبقاء لوقت ما، وإحداث خسائر أكثر فى صفوف الفلسطينيين، لكن السؤال هو: وما الذى سيحدث فى النهاية؟
مرة أخرى تقول لنا كل كتب وتجارب التاريخ إن الاستعمار رحل وانتهى ولم يبق تقريبا إلا فى فلسطين ولن أذكر أمثلة تقليدية، بل سوف أركز على بعض النماذج التى لم يكن أحد يظن أنها سوف تنتهى بالفشل.
من كان يظن أن يرحل الاستعمار الفرنسى عن الجزائر بعد أن استمر ١٣٠عاما، من ١٨٣٠ حتى ١٩٦٠؟!
الفرنسيون تعاملوا مع الجزائر باعتبارها أرضا فرنسية خالصة وراء البحار، وليست مجرد أرض محتلة ينهبون ثرواتها ويرحلون. هم قتلوا أكثر من مليون شهيد ودمروا أحياء كاملة، لكن مقاومة الشعب الجزائرى البطل أجبرتهم على الرحيل والانهزام.
من كان يتصور أن تنهزم أكبر قوة عسكرية فى العالم وهى الولايات المتحدة الأمريكية فى فيتنام؟!
موازين القوة بينهما كانت شديدة الاختلال.. قوة نووية تملك كل أنواع الأسلحة والموارد، وشعب فقير لا يملك إلا كرامته ورغبته فى العيش بحرية.
انتهى الأمر بهزيمة مُذلة تركت ندوبا كثيرة فى وجه أمريكا. لكنها لم تتعظ وغزت العراق عام ٢٠٠٣ بحجة إقامة الديمقراطية هناك، والنتيجة أنها انسحبت تقريبا، بعد أن سلمت العراق على طبق من فضة وذهب لإيران، وأخّرته عشرات السنين.
نفس الدرس وقعت فيه الولايات المتحدة فى أفغانستان عام 2001.
المقارنة بين البلدين غير موجودة فى كل المجالات، أمريكا أقوى وأغنى دولة وأفغانستان أضعف وأفقر دولة، ورغم ذلك فإن مشهد خروج وانسحاب القوات الأمريكية فى 21 اغسطس 2021 فى بدايات ولاية جو بايدن كان مذلا ومهينا.
من كان يظن أن الاستعمار الأبيض العنصرى فى جنوب إفريقيا سوف ينتهى بعد أن استمر عقودا طويلة؟
لكن مقاومة أهل الأرض بزعامة نلسون مانديلا نجحت فى إزاحته وتلقينه درسا بأن القوة مهما كانت باطشة مصيرها إلى زوال.
ثم ولماذا نذهب بعيدا، لقد انهزمت إسرائيل أمام الجيش المصرى عام ١٩٧٣ وانسحبت من سيناء عام ١٩٨٢، ثم انسحبت من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠، ومن قطاع غزة نفسه عام ٢٠٠٥، ووقتها فإن قادة إسرائيل كانوا يقولون: «نحلم بأن نستيقظ لنرى غزة وقد غرقت فى البحر، لكن غزة ما تزال صامدة حتى هذه اللحظة.
من سوء الحظ أن الغزاة والمستبدين لا يتعظون.