الفرصة الأخيرة للإخوان!
أحمد عبدالعليم
آخر تحديث:
الإثنين 9 سبتمبر 2013 - 2:45 م
بتوقيت القاهرة
الحركة السياسية في مصر أصبحت أكبر من قدرتنا على ملاحقتها، وأسرع من حركتنا البطيئة على اللحاق بها، وذلك لاتساع دائرة المعارك الجانبية وتعددها، وهذا الكم الهائل من المعلومات المتضاربة والمتشابكة والموجهة والمغلوطة، وأصبحت نظرتنا مهما كانت تتحرى الموضوعية ربما أضيق من هذا الاتساع الهائل في بُنية الحراك السياسي القائم والذي يتميز بالديناميكية
بات البعض مدفوعاً متدافعاً مندفعاً، ينكر الواقع ويتمادى في رفض ما أصبح أمر واقع، وواقع الأمر أن ما يحدث في مصر لا يمكن قراءته بمنظور داخلي فقط، ولكن لابد من قراءته في ظل معطيات الوضع السوري الحالي وهذا التهافت الإقليمي العربي والإقليمي غير العربي، والمناخ الدولي المتأهب لاستعادة أمجاد مضت على جسد وطن ممزق يريدون تحويله إلى دويلات صغيرة
يمكن النظر إلى ما حدث في الثلاثين من يونيه الماضي باعتباره حتمية تاريخية وأمر كان لابد من وقوعه من قبيل التفسير وليس التبرير، إما لنرجسية الإخوان وفشلهم أو لتفادي الدخول في نفق الحرب الأهلية خاصة في ظل وجود استقطاب حاد وأرض خصبة للعنف وتوجُّس وعدم ثقة بين كل أطراف اللعبة السياسية خاصة بين الإخوان من جانب وباقي القوى السياسية من جانب آخر
وتظل معضلة الإنكار التي ينتهجها الإخوان جزء كبير من الأزمة الحالية وليست بأي حال من الأحوال جزء من الحل المأمول بعودة مرسي لأن عودته باتت درب من المستحيل مع اعتراف معظم دول العالم بشرعية ما حدث في يونيه وأن ذلك إرادة ملايين من المصريين، ولذلك على الإخوان إدراك أن بداية الحل ليست بعودة مرسي ولكن بالاعتراف بعزله، وأن تماديهم في إنكار ذلك ينتزع من شعبيتهم، وأن تلويحهم باستخدام العنف لن يعيد أبداً مرسي الذي هو جزء من الماضي بل سيفنيهم في الحاضر، ليكونوا جماعة بلا مستقبل !
وكان أمام الرئيس المعزول مرسي وإخوانه فرصة سانحة بمثابة هروب إلى الأمام بالدعوة إلى استفتاء على شرعية الرئيس، وهو أمر استبعده الإخوان لبُعدهم عن الشارع من جهة أو لأن القريبين من الشارع منهم كانوا يعلمون جيداً أن مؤيدي الإخوان في تراجع كبير وأن معارضيهم في تقدُّم ملحوظ خاصة مع تدشين حملات تمرد وإقبال الشارع عليها بشكل كبير وخلقها لحراك مجتمعي استعاد عبق حراك ما قبل ثورة يناير
أجاد الإخوان تضييع الفرص المتاحة لإثبات أن حب مصر المجموع أكبر من مصر الجماعة، انحازوا للجماعة في نظرة ضيقة للغاية جعلت عدد كبير من المصريين يرفع عنهم مصريتهم ويعاديهم باعتبارهم أعداء للوطن، وهو ما ظهر في الشارع في أماكن متفرقة من هجوم على الإخوان ومحاولة للفتك بهم لولا تدخل الجيش والشرطة، وهو ما ينذر باتساع دائرة الكراهية للإخوان كلما استمر الوضع هكذا
اعتراف الإخوان بالأمر الواقع هو جزء كبير من خروجهم الآمن من مأزق كراهية المجتمع المصري وكذلك من دائرة العنف الواقع منهم أو عليهم، وهو الباب الأخير الذي يجعلهم في اللعبة السياسية لا بعيدين عنها أو مستبعدين منها، وتعتبر الفترة الانتقالية التي تعيشها مصر الآن فرصة جيدة لمراجعات إخوانية جادة تبحث عن أسباب الفشل وتستبعد الفاشلين، وتفتح المجال لتقييم التجربة الإخوانية في الحكم من أجل التقويم، وكلما كان الإخوان أكثر اعترافا بأخطائهم زادت فرص عودتهم للحياة السياسية وزادت فرص قبولهم من جديد دون نرجسية أو انتهازية
هي الفرصة الأخيرة للإخوان إما أن يدخلوا في إطار الدولة الوطنية المصرية أو يصبحوا فصيل فاقد لوطنيته ومصريته، لأن الواقع المصري والواقع العربي يمر بإختبار شديد الحساسية، يبدو فيه إعادة إنتاج للعراق في سوريا، وبالضرورة وبعد الإنتهاء من سوريا، وبما يحدث في مصر من محاولات خارجية لتأزيم الوضع بين الجيش من جانب وفصيل سياسي من جانب آخر، سيكون هناك محاولة مستقبلية حثيثة لإعادة إنتاج الوضع السوري في مصر، كي تشتعل معارك لن يكسبها أحد سوى الخارج
مصر تستحق الخروج الآمن من كل هذا الذي يحدث، كي لا يصبح خبر قتل المصريين خبر يومي عادي تتناقله الصحف ووكالات الأنباء، وكي لا نتحول مع الوقت إلى مجرد أرقام بلا قيمة تمر مرور الكرام، وعلى كل الأطراف المعنية إدراك ضرورة أن نجنح لمصالحة تحتوي الجميع بما فيهم الجماعة، جماعة تنبذ العنف وتثبت أن ولائها لمصر سيكون أكبر من ولائها للجماعة، وأن مصريتهم أهم من إخوانيتهم، وأنهم استجابوا لحقيقة أن التمصير غالب على الأخونة، لأننا نريد دولة مصرية قوية قادرة على مواجهة ماهو قادم من إختبارات دولية شديدة الصعوبة تريد استدراج مصر كي يُصدر لها نموذج التقسيم
هي فرصة كي لا تعود مصر دولة أمنية يدفع الإخوان الثمن الأكبر فيها، كي لا يُساوم المصريون مرة أخرى بين الأمن والحرية، بين كل الأمن مقابل بعض الحرية، هي فرصة كي يُحاسب كل من أخطأ في حق الوطن من كل الأطراف بالقانون، وكي لا يدفع الكل من الإخوان ثمن أخطاء وحماقة البعض، هي فرصة أخرى وأخيرة، لو فات قطارها دون أن يقف في محطته الأخيرة فالثمن سيكون باهظ للغاية، ربما يكون الثمن وطن!
كاتب وباحث سياسي