النقد الذاتى المشبوه

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 9 سبتمبر 2020 - 8:25 م بتوقيت القاهرة


لقد كتب الكثيرون عن أهمية التجديد الحضارى كمكون أساسى من مكونات المشروع النهضوى العروبى المعنى بوحدة واستقلال الأمة العربية وديمقراطية وتنمية مجتمعاتها.
لكن جرى التركيز على ضرورة القيام بمراجعة تحليلية نقدية تجاوزية للتاريخ العربى القديم وللتراث العربى الملىء بالإشكالات الفكرية والسلوكية، وذلك كمدخل لعملية التجديد تلك. وهذا بالطبع أمر ضرورى للغاية.
غير أن هناك حاجة مماثلة، وبالتوازى مع تلك الجهود، لإجراء مراجعات تحليلية نقدية تجاوزية شاملة لكل ما مر على المجتمعات العربية من أفكار وإيديولوجيات وتنظيمات وممارسات سياسية أثناء تاريخها المعاصر، وبالذات إبان الثمانية عقود الماضية.
أهمية القيام بذلك بصورة عقلانية موضوعية علمية، ومن خلال بحوث ميدانية كلما أمكن، يفرضها ما نراه أمامنا من محاولات مشبوهة، أو مليئة بالجهالة وقصر النظر، للقيام بعملية نقد ذاتى لمسيرة الحركات القومية العروبية. وبالطبع لا إشكالية مع ذلك النقد الذاتى لو لم يتعمد بعض القائمين به، بقصد وخبث، تحميل الفكر العربى الوحدوى المسئولية عن كل الأخطاء والانحرافات التى ارتكبها بعض المنادين بذلك الفكر، من أفراد وأحزاب على الأخص.
وبالطبع فإن هدف هؤلاء الخفى ليس إبراز الأخطاء فى الممارسات الماضية من أجل عدم تكرارها فى المستقبل، وإنما هدفهم هو إقناع الشعب العربى، وعلى الأخص شبابه وشاباته، بالتخلى عن الفكر القومى الوحدوى، وبالذات عن الضرورة الوجودية العاجلة لقيام نوع من الوحدة فيما بين شعوب هذه الأمة وفيما بين أقطار هذا الوطن العربى الكبير.
ولا يهم عند هؤلاء الدلائل الكثيرة على فشل الدولة الوطنية أو القطرية العربية فى مجالات الأمن والاستقلال الوطنى والتنمية الاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية، ولا فشلها حتى فى المحافظة على كيانها من التمزق وعلى مجتمعها من الصراعات العرقية والمذهبية والمناطفية.
هؤلاء، وبالتناغم التام مع الرغبة الاستعمارية – الصهيونية، منذ مشروع سايكس – بيكو التجزيئى ومشروع قيام الكيان الصهيونى فى فلسطين لفصل المشرق العربى عن مغربه، فى تفتيت هذه الأمة ومنع قيام أى وحدة فيما بين أى أجزاء من كيانها.
من هنا الأهمية النضالية المفصلية لوجود مراكز دراسات وأبحاث عربية جادة رصينة ومفكرين قوميين عقلانيين موضوعيين لكى يقوموا بمهمة النقد الذاتى المطلوب، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب وجود الهوية العروبية الجامعة ومشاعر الانتماء العروبى التى بناها التاريخ العربى المشترك وغذتها ملاحم النضالات التعاضدية ضد الاستعمار والصهيونية طيلة القرن الماضى، بل وإلى يومنا من هذا، وأبقت جذوتها اللغة الواحدة والتراث المشترك والجغرافيا الواحدة والمصالح الكثيرة المترابطة.
ما يهمنا هو الوصول إلى النتيجة التى تبين أن الفكر القومى والثقافة العروبية لا ينحصران فى حزب أو حركة أو أشخاص، وأن الدولة الوطنية لا تحتاج أن تخوض حربا استئصالية مع الطموح والعمل الوحدوى العربى، وأن الممارسات الدكتاتورية السابقة فى هذا القطر العربى أو ذاك باسم القومية العربية لا ينفى على الإطلاق الضرورة القصوى لأن تكون الديمقراطية ليست محل مساومة أو تهميش فى المشروع الوحدوى العربى المستقبلى، وأن نوع التوحد العربى يمكن أن يكون مرنا ويتعلم من تجارب الآخرين من مثل الاتحاد الماليزى أو الوحدة الاقتصادية الأوروبية، وأن نوع ومدى التوحد العربى النهائى تقره الشعوب بوسائل ديموقراطية سلمية تعاضدية.
قائمة المراجعة طويلة، وحتى معقدة، ولكن المهم هو وجود جهود تراكمية عربية نظيفة المقاصد والنوايا للقيام بهذه العملية لسد الأبواب أمام الانتهازيين وخدم الاستخبارات الأجنبية الذين ينتهزون فرصة الضعف والإنهاك والتمزق الحالى لكى يقوموا بتدمير الفكر القومى العروبى الوحدوى بعد أن نجحوا مع الأسف، بصور كثيرة، وعبر مراحل متعددة، فى إزاحة قادة ومؤسسات المشروع القومى عن الكثير من ساحات العمل السياسى والإعلامى العربى.
مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved