ستيف جوبز وثورة مصر

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 9 أكتوبر 2011 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة

جمع القليل بين مؤسس شركة آبل للالكترونيات «ستيف جوبز» وبين ثورة 25 يناير المصرية وإن اختلفا كثيرا. فكما مثلت ثورة مصر عملية «إبداع وتغيير» فى جوهرها، كان «التغيير والإبداع» هو محور حياة ستيف جوبز، وبينما كانت ثورة مصر خروجا عن نمط التفكير التقليدى الذى لم يأت بأى جديد خلال العقود الأخيرة، ساهم ستيف جوبز خلال تلك العقود ذاتها فى تغيير حياة الملايين حول العالم لأنه اختار الإبداع هدفا، والاختراع وسيلة.

 

ولد ستيف جوبز فى 24 فبراير 1955 فى ولاية كاليفورنيا، وهو ابن بالتبنى لكل من بول وكلارا جوبز. ولدت ثورتنا يوم 25 يناير 2011، وتبناها الكثيرون، وادعت قوى عديدة مدنية وعسكرية ودينية حمايتها لهذا الوليد.

 

وكان جوبز نفسه ثورة استمرت لما يقرب من أربعة عقود من الزمان، وانتهت مساء الخميس الماضى بوفاته، أما ثورتنا المصرية ما زالت مولودة صغيرة فى مقتبل العمر الذى لم يتعد 9 أشهر وما زال أمامها المستقبل كله.

 

صمم جوبز على النجاح فتحقق له، واستطاع أن يقدم أول ابتكاراته وهو فى المرحلة الثانوية، وكانت عبارة عن «شريحة إلكترونية»، وبعد إنهائه الدراسة الثانوية عام 1972، لم يحقق النجاح فى الجامعة فرسب فى عامه الأول وقرر ترك الدراسة، وتشهد ثورتنا موجات صعود وهبوط، وتتقدم خطوة للأمام وتتراجع خطوتين للخلف، إلا أنها ما زالت تسير للأمام ببطء رغم وعورة الطريق.

 

بدأ سلم نجاح جوبز من خلال تأسيس شركة آبل عام 1976 التى قدم من خلالها أفكارا إبداعية لم يتطرق إليها أحد من قبل، وقدم جوبز أول نظام تشغيل يعتمد على «الفأرة Mouse» وقدم لاحقا جهاز «آى بود» ثم «آى فون» وتبعه بـ «آى باد»، وأصبحت شركته ثانية أكبر الشركات فى العالم من حيث القيمة السوقية البالغة 374 مليار دولار، ولا يسبقها سوى شركة إكسون موبيل للبترول. أما ثورة مصر فقد بدأت بتوقعات عظيمة فى إقامة دولة الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، إلا أنها تمر فى طريق غير واضح المعالم بين حواجز عسكرية وتشويهات إعلامية ونقاط تفتيش دينية.

 

أدرك جوبز أن أفضل استثمار فى مؤسساته يجب أن يعتمد على بناء العنصر البشرى. ويشهد على ذلك طبيعة موظفى شركة ومحال آبل، فما إن تطأ قدمك أحد تلك المنافذ المنتشرة فى أنحاء الولايات المتحدة، إلا وتشعر وكأنك شخص مرحب بك، حتى إن لم تكن تنوى الشراء. ولم تدرك ثورة مصر بعد أهمية العنصر البشرى! ولم يتم التركيز على قيمة المصرى كإنسان وسط صراع وجدل وتفاصيل المرحلة الانتقالية.

 

لم يعرف جوبز الخوف، وأرجع ذلك لحتمية وقوع الموت، وآمن أنه أمر واقع لا محال، ورأى فى الموت وسيلة مناسبة للتغيير. ورغم إبلاغ الأطباء له عام 2005 أن أمامه فترة لا تتعدى ستة أشهر حتى يقابل ربه، عاش جوبز كل يوم خلال السنوات الست الماضية كأنه آخر يوم فى حياته. أما ثوار مصر فى مختلف ميادين الثورة فرفضوا أن يكون الموت «موت الرئيس» هو وسيلة التغيير، وأحدثوا التغيير بأيديهم. ولم يخش الثوار الموت، وحملوا أكفانهم وسعوا للشهادة يرجون لقاء ربهم.

 

أكد جوبز مرارا أن فضل تجربة ونجاح آبل لا يعود إليه فقط، وأكد فى كل مناسبة ممكنة أن النجاح حققه عمل وجهد الآلاف من العاملين فى الشركة، وليس من العدل أن يحصل هو على الفضل وحده.

 

على الشباب المصرى أن يبادر بالانخراط فى الجهد الجماعى والإبداع المجتمعى، وأن يتنازل نجوم الثورة المصرية طواعية عن الأنانية الفردية، فما كانت الثورة لتنجح فى إسقاط نظام الرئيس السابق مبارك دون العمل الجماعى من شعب مصر.

 

كان جوبز يقول عن نفسه «لا يوجد إلا رجال قليلون غيروا مجرى التاريخ مثل نيوتن وشكسبير أو آينشتاين، وأنا واحد منهم». كذلك على ثورتنا أن تؤمن أنها مثل القليل من ثورات التاريخ الكبرى، الفرنسية والأمريكية، وستغير وجه العالم وستغير وجه مصر للأفضل.

 

نعى الرئيس الأمريكى باراك أوباما مؤسس شركة آبل للالكترونيات قائلا إنه جسد «روح العبقرية الأمريكية، فقد كان جوبز من أعظم المبتكرين الأمريكيين، ولديه من الشجاعة ما يكفى للتفكير بشكل مختلف، ويعتقد أنه قادر على تغيير العالم»، كذلك أشاد أوباما بالثورة المصرية وأكد «أن المصريين لن يقبلوا مستقبلا بغير ديمقراطية كاملة... موضحا أن «مصر الديمقراطية يمكنها أن تلعب دورا مهما ليس فى المنطقة فقط، ولكن فى كل العالم»، وأضاف «شاهدنا جيلا جديدا موهوبا ومبدعا ويطالب بحكومة ممثلة لآماله».

 

أما أكثر النقاط اختلافا بين ستيف جوبز وثورة مصر يدل عليه ما قام به جوبز عندما علم بمرضه، إذ كتب فى خطابه الموجه لمجلس الإدارة «لقد كنت أقول دائما إنه إذا جاء يوم لا أستطيع فيه القيام بواجبى، والقيام بما هو منتظر منى، فإنى سأكون أول من يعلن ذلك».... وأضاف «للأسف إن هذا اليوم قد حان، وأنا أقدم استقالتى من منصب مدير عام آبل».

 

ما أحوج ثورتنا المصرية إلى أن يقرأ كهول المشهد السياسى المصرى ممن هم فوق الستين هذه الكلمات. لم تندلع ثورة مصر من أجل استبدال أشخاص ولدوا فى النصف الأول من القرن الماضى بغيرهم ممن ولدوا فى نفس الفترة التاريخية... استريحوا وأريحونا يرحمكم الله.. رحم الله ستيف جوبز.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved