سياسات التعليم فى الحكومة الجديدة

ايمان رسلان
ايمان رسلان

آخر تحديث: الثلاثاء 9 أكتوبر 2012 - 8:05 ص بتوقيت القاهرة

فى أحد المؤتمرات التعليمية منذ سنوات قليلة جاء مقعدى بجوار رئيس أحد جامعات الصعيد وكان قد ترك منصبه العلمى بعد تعيينه محافظا أثناء تولى د.أحمد نظيف رئاسة الوزراء، وأثناء تبادل الحديث عن الأوضاع التعليمية بالمحافظة سرد لى العالم الجليل القصة التالية.

 

 بأنه كان بصدد دعوة كبار المسئولين لافتتاح عدد من المشروعات من بينها مدرسة حكومية جديدة، ولكنه فوجئ بطلب ألا وهو أن المدرسة الجديدة الحكومية سيتم افتتاحها فى إطار مشروع آخر اسمه المدارس الحكومية التجريبية المتميزة، وأنها ستكون بمصروفات تتجاوز 500 جنيه سنويا، وحينما أبدى المحافظ تعجبه لاسيما وأن المحافظة فقيرة للغاية وتعانى من مشاكل تعليمية وعلى رأسها ارتفاع الكثافة بالفصول الحكومية، فما كان من الوزير المسئول إلا الإجابة بأن تلك هى التعليمات والسياسة الجديدة للحكومة. وبالفعل تم افتتاح المدرسة التجريبية المتميزة وكانت المفاجأة أنه لم يتقدم للدراسة بها إلا 9 طلاب فقط لا غير!

 

قفز هذا الحوار إلى ذهنى عقب التصريحات المفاجئة التى خرجت خلال الأيام الماضية من وزارة التربية والتعليم وعلى لسان أكبر المسئولين بها والتى تؤكد أن الاتجاه فى المرحلة القادمة هو لصالح التوسع فى التعليم الحكومى بمصروفات والذى يحمل اسم المدارس التجريبية، وأن العجلة قد دارت بالفعل وسيتم تحويل وتخصيص عدد من المبانى المدرسية لتكون مدارس بمصروفات بدءا من العام الدراسى القادم والبداية ستكون من محافظة السويس.

 

●●●

 

وقبل أن ندخل فى مناقشة هذه القضية المهمة التى كانت قد توقفت عقب ثورة 25 يناير وسقوط رءوس النظام السياسى السابق، يجب أن نستعرض تاريخ بدعة إنشاء المدارس الحكومية التجريبية التى يعود تاريخ بدء عملها إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضى عقب تطبيق نظام الانفتاح الاقتصادى، فقد رأى وزير التربية والتعليم فى ذلك الوقت د.مصطفى كمال حلمى حاجة البلاد إلى توفير أعداد كبيرة من الطلاب تجيد اللغات الأجنبية، خاصة أن الأعداد التى يتم تخرجها سنويا من المدارس الأجنبية القديمة، لا تكفى للمساعدة فى تطبيق التحول الاقتصادى الجديد، لذلك قررت الحكومة تحويل عدد من المدارس الحكومية المجانية «وليس بناء مدارس جديدة» لتحمل المسمى الجديد وهى نفسها تدرس المناهج الحكومية لكن باللغات الأجنبية، وعلى أن تكون مصروفاتها أقل من نصف المدارس الأجنبية القديمة.

 

ونجحت التجربة بالفعل وجذبت شرائح من أبناء الطبقة المتوسطة التى لم تكن تستطيع أن تدفع مصروفات المدارس العريقة، ولكن مع استمرار سياسات عجز الموازنة وعدم الإنفاق على التعليم وفتح مدارس جديدة وتأهيل المعلمين للتدريس بها، تدهورت أحوال هذه المدارس وارتفعت الكثافات بها لتقترب من كثافة المدارس الحكومية المجانية، فتم اللجوء إلى بدعة جديدة فى منتصف الألفية الحالية لتحمل اسم المدارس الحكومية التجريبية المتميزة وتم مضاعفة مصروفات هذا النوع من التعليم، ولكن استمر أمر التدهور كما هو وكأن تغيير المسمى ورفع المصروفات والتدريس باللغات سوف يوقف التدهور فى العملية التعليمية.

 

ثم أخيرا جاءت حكومة د.نظيف لتوقف هذه البدعة قليلا وتقرر بدعة أخرى جديدة اسمها مدارس النيل الدولية، وهى بالمناسبة مدارس تم بناء عدد منها بأموال الحكومة المصرية (مال عام)  ولكن تم تغيير شروط الالتحاق بها وكذلك نظام الدراسة لتصبح تدرس المناهج الدولية الأجنبية وتحديدا النظام الانجليزى. وتم تسويق الفكرة على أساس§ السير فى اتجاه العولمة وإلى آخره من المصطلحات.. وتم أيضا الاتفاق على أن تكون للطبقة المتوسطة، وأن تكون المصروفات فى حدود 10 آلاف جنيه أى نصف سعر مصروفات المدارس الدولية الخاصة التى انتشرت مؤخرا فى مصر وبالفعل تم افتتاح عدد من هذه المدارس واستمر الدعم الحكومى لها ولكنه توقف عقب الثورة واكتشاف وجود هذه المدارس التى تدعمها الحكومة!

 

والملفت للنظر أن الجميع يتحدث الآن عن مأساة جامعة النيل التى بنيت بأموال الحكومة، ولم يلتفت أحد إلى وجود مدارس النيل الدولية التى بنيت بأموال عامة أيضا!

 

●●●

 

الهدف من الفقرات السابقة هو أن ننبه بناء على هذه الخلفية أن ما يحدث الآن ليس جديدا أو فتحا عظيما كما يحاول البعض أن يروج، وإنما هو استمرار لنفس السياسات، وأن كل حكومة وكل وزير للتعليم يأتى ويتولى المسئولية يغير فقط فى المسمى الجديد طبقا لرؤيته الشخصية للتعليم، ويبدأ بالتطبيق الفعلى على أرض الواقع وتكون النتيجة كما نرى منذ عقود طويلة هى المزيد من تدهور العملية التعليمية التى نخشى أن نقول إنها منهارة بالفعل وبفعل فاعل أيضا.

 

وخطورة الأمر الآن أن يعود الحديث القديم مع حكومة جديدة والمفترض أنها جاءت لتحقق شعارات محددة هى العدل والعدالة الاجتماعية، وأن يتم ذلك فى الوقت الذى يعانى التعليم من وجود 2343 منطقة فى مصر لا يوجد بها مدارس أصلا، وأن يبلغ العجز فى المبانى والفصول المدرسية إلى أكثر من 25٪ أى الربع تقريبا، وأن ارتفاعات الكثافة الطلابية لاسيما فى المناطق والمحافظات الفقيرة بعضها يقترب من مائة طالب فى الفصل وبعضها الآخر يتجاوز هذا الرقم، وبالتالى يكون حديث المسئولين عن أننا لن ندفن رؤوسنا فى الرمال ببناء المدارس المجانية فقط، وإنما لابد من التوسع فى إنشاء المدارس التجريبية بمصروفات وقولهم بإننا بذلك نحقق مبدأ التكافل الإجتماعى الذى يدعو إليه الإسلام فهذا أمر يثير الدهشة للغاية، لأن العدل والتكافل يعنى أن يدعم الأغنياء الفقراء وليس العكس كما يحدث الآن من يناء مدارس للقادرين على حساب الفقراء. والمطلوب سياسة للتعليم تخدم كل طبقات المجتمع وليس طبقا لتحقيق رغبات الزبون والحكومات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved