رسالة لوزير الداخلية

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 9 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

ليست إرهابا بل بلطجة. المجتمع اليوم مشدوها للعنف ذات الأقنعة الدينية، غير ملتفت لما يحدث من ممارسات خارج دولة القانون من ترويع وإتاوات وفدية، وما شابه. المكان المنيا، وبالتحديد قرية «السريو» بمركز أبو قرقاص. ذهب أسقف عام المنيا الأنبا مكاريوس، وهو رجل حكيم، وله إبداعات فكرية مهمة، لتقديم واجب العزاء لأسرة شاب قتل على يد مجموعة من البلطجية. القرية بأكملها، مسلميها ومسيحييها، تحت سطوتهم إلى حد أن نصف سكانها هجرها جراء ذلك. قبل أن يصل الأسقف بنحو كيلو متر من القرية هاتفه أحد سكانها طالبا منه العودة حرصا على سلامته، أما هو فرأى أنه ليس من المروءة فى شىء أن يعود من حيث جاء دون أن يزور أسرة القتيل. مشهد مرعب، مسلحون يقفون على الطريق، ويمطرون البيت الذى حل ضيفا به بوابل من الطلقات تركت فراغات فى الجدران الخارجية. أدى الرجل واجب العزاء، وفى طريق عودته زار مريضا بالمستشفى فى قرية أخرى، ولازم الصمت إلا أن صدم الأقباط تصريح صادر عن مسئول أمنى بأن سبب إطلاق النيران يعود إلى تحويل منزل إلى كنيسة بالقرية. تصريح ينتمى إلى نمط التصريحات المكررة والمعتادة التى تكشف عن استمرار ذهنية التعتيم على المشكلات، بدلا من التصدى الشفاف لها.

البيت المشار إليه يعود إلى عام 2006م، ولم يستخدم سوى أربع مرات فى مناسبات قليلة مثل الصلاة على جثمان ميت أو صلاة الزواج لأبناء القرية. وبالمناسبة فإن البلطجية الذين يمرحون فى القرية حاملين أسلحتهم يطالبون الأقباط بإتاوة حتى يسمحوا لهم باستخدام البيت فى الصلاة، فهم الذين يرخصون لهم المكان عمليا وليست الدولة، وعندما يتحدثون تصمت الدولة للأسف. وإذا افترضنا ــ جدلا ــ أن المنزل تقام به شعائر دينية لعدم وجود كنيسة بالقرية، أسوة بنحو 142 قرية فى المنيا لا توجد بها كنائس أو أماكن للصلاة، فمن المعنى بتطبيق القانون هل مؤسسات الدولة أم البلطجية الذين يفرضون الإتاوات على الأبرياء الذين لا يريدون سوى الصلاة، فقط الصلاة؟

لن نتحدث عن حوادث خطف المواطنين العاديين طلبا للفدية، لأنها أصبحت مكررة ومتزايدة، وهناك ملف متخم منذ ثورة 25 يناير 2011م إلى الآن فى هذا الشأن. بدأت بعصابات منظمة، ثم دخل على الخط جماعات أقل حرفية نظرا لسهولة العملية، وعدم تطلبها أية تعقيدات فنية أو مهارات خاصة. يدفع الناس إتاوات حتى يستعيدوا ذويهم خوفا عليهم من أى مكروه يحدث لهم.

هذه رسالة إلى السيد وزير الداخلية، الذى أقدر كم الأعباء الملقاة على كاهله، لكنى أعرف أيضا أن استعادة أمن المواطن أولوية لديه. هناك من يروع الناس باستخدام السلاح، ويجبى منهم الاتاوات، ويهددهم فى حياتهم، وأرزاقهم، وبعضهم معروف بالاسم، وصادر بحقه أحكام قضائية. أمن المواطن ليس فقط سياسيا لكنه أيضا جنائيا. وليس البديل هو تقييد حركة المواطنين، بل توفير سبل الأمن والرعاية لهم.

المنيا ليست استثناء، فالعديد من المحافظات خاصة فى الصعيد تعانى من نقص الأمن، ولكنها عنوان لتقاطعات كثيرة: عنف ذو وجه دينى، وبلطجة تبحث عن المال، وتعدد دينى يعانى من انحسار، وتزايد شعور المواطن بالظلم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved