الشهيد نصرالله أشد خطرًا من السيد نصرالله
معتمر أمين
آخر تحديث:
الأربعاء 9 أكتوبر 2024 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
عشر ملاحظات على الموقف الراهن فى الحرب التى تشعلها إسرائيل بالمنطقة.
أولًا، إن السيد نصرالله ارتقى شهيدًا دفاعًا عن غزة وتأكيدًا على استراتيجية وحدة الساحات لفصائل المقاومة. وباستشهاده أصبحت مسألة وحدة الساحات رمزًا على الصمود لا يمكن التخلى عنه. وهذا فى حد ذاته فشل للاستراتيجية الأمريكية-الإسرائيلية التى تفعل المستحيل لفصل الساحات وتفتيت الجبهات وعزلها عن بعضها البعض.
ثانيًا، إن مبدأ الشفافية الذى تبناه حزب الله فى الإعلان عن شهدائه كلفه فقدان أغلب قياداته العليا، وذلك لأن الموساد الإسرائيلى يتتبع على مدى سنوات إعلانات الحزب عن شهدائه الذين سقطوا فى الحرب ضد داعش فى سوريا، ومن خلال هذه المتابعة، عرف الكثير عن حزب الله دون أن تتنبه استخبارات الحزب للضرر الذى يمكن أن يصيبها، بسبب مبدأ الشفافية فى الإعلان عن الشهداء. على النقيض لم تستطع إسرائيل أن تعرف شيئًا عن أنفاق حماس، ولا أماكن قياداتها العليا، ولا أماكن احتجاز الرهائن فى غزة، وذلك بفضل مبدأ التكتم الذى تجيده حماس.
ثالثا، إن تماسك بنية حزب الله كحركة مقاومة لم تتأثر باستهداف قيادتها على عكس كل ما تصورته إسرائيل. والدليل على ذلك، استمرار قصف الحزب للمستعمرات والمدن الإسرائيلية الشمالية، وتوسيع نطاق الاستهداف إلى وسط إسرائيل ومحيط تل أبيب. والأهم من ذلك هى قدرة الحزب على التصدى لمحاولات التوغل البرى الإسرائيلى فى منطقتى كفر كلا ومارون الرأس، مع تكبيد قوات الكوماندوز الإسرائيلية خسائر فادحة فى الأفراد والمعدات. يبدو أن فداحة الخسائر جعلت إسرائيل تعيد صياغة أهداف توغلها فى لبنان، من الوصول لنهر الليطانى إلى التوغل بمحاذاة الحدود إن استطاعت.
• • •
رابعًا، لقد اختار السيد نصر الله سياسة الصبر الاستراتيجى، ولم يرد توسيع المواجهة مع إسرائيل حفاظًا على تماسك البيئة الداخلية فى لبنان لكيلا تنقلب ضد المقاومة بسبب الخسائر التى تعم لبنان ولا تقتصر على المقاومة. وباستشهاده على يد إسرائيل، وبفشل الأخيرة فى التوغل بريًا، فإن البيئة الحاضنة للمقاومة تتريث، ولا تستطيع قلب الطاولة على المقاومة، وذلك لأن القوة المناوئة التى تريد فصل مسار لبنان عن غزة، لا تستطيع المزايدة على موقف المقاومة التى تنتقم لاستشهاد أمينها العام.
خامسًا، ما زال التحدى الذى أعلنه حسن نصر الله قبل استشهاده قائمًا بعدم رجوع سكان إسرائيل إلى شمال فلسطين المحتلة ما دام استمرت حرب غزة. ولقد استراح الرجل من عبء تنفيذ هذا التحدى، ووقع على كاهل المقاومة اللبنانية من بعده. ولقد أدى غرور القيادة الإسرائيلية إلى تفويت فرصة البناء على استشهاد نصرالله، فلقد كان بوسعها أن تكتفى بتحقيق مكسب بهذا الحجم لكى توقف الحرب شمالًا، لكنها توهمت بأن لبنان الآن لقمة سائغة، لكن الوقت يثبت بأن لاستراتيجية الحزب اليد العليا، فلا إسرائيل استطاعت إعادة المستوطنين إلى الشمال، ولا الحزب توقف عن المواجهة، ولا انهارت بنية المقاومة.
سادسًا، قد يكون للموروث الثقافى الشيعى الممتلئ بقصص فقدان القادة الأبطال والمغاوير دور مؤثر فى ثبات المقاومة. ولكن فى المقابل، فإن ذات الموروث أيضًا ممتلئ بقصص عن شخصيات مشبوهة خانت القادة، وتسببت فى مقتلهم وهلاك فرقهم. ولا يوجد استثناء فى حالة حزب الله، الذى لم يفطن بعد للعملاء والجواسيس فى صفوفه، الذين يكلفونه الغالى والنفيس من الأرواح، حتى قبل هجمات البيجر. وهذا الخلل الذى أصاب الجهاز العصبى للحزب يجعله أقل كفاءة ويجعل هجماته أقل تأثيرًا. ويكفى عمل مقارنة بين أداء حزب الله الإعلامى مقابل أداء المقاومة فى غزة. وكلما تأخر الكشف عن العملاء وتحييدهم تراجع تأثير ضربات المقاومة.
سابعًا، لقد وضع استشهاد نصر الله محور المقاومة فى لحظة تحدٍ لإثبات جدارته، فلم يعد بوسع إيران الوقوف موقف المتفرج، وكان عليها التحرك بضربات مباشرة وغير دعائية ضد إسرائيل. ولولا هجمات إيران الصاروخية فى الأول من أكتوبر التى شملت معظم المواقع الإسرائيلية، وتسببت فى أضرار جسيمة فى حيفا وعسقلان، وببعض المطارات العسكرية، لاستمر التوغل البرى فى لبنان وتحول إلى كابوس حقيقى. وحسنًا فعلت إيران بهذا الرد، فبدونه لزادت الجرأة الإسرائيلية ضدها.
• • •
ثامنًا، البعض يظن أن حزب الله لا يستخدم كل إمكانياته الصاروخية فى قصف العمق الإسرائيلى. ولكن الواقع أن إسرائيل استعدت لهذا اليوم منذ فضيحتها فى حرب 2006، والتى كبدت مدنها خسائر لأول مرة فى تاريخها، وأسعفتها هذه المرة القبة الحديدية وقلصت من تأثير صواريخ المقاومة. لكن لم تستطع إسرائيل التصدى للهجوم الإيرانى، أو لهجمات أنصار الله من اليمن.
تاسعًا، لم تستطع الولايات المتحدة لا منع الهجوم الإيرانى، ولا إفشاله فى إصابة أهدافه. وبالرغم من استعمالها لقواعدها فى وأسطولها فى المنطقة، لكن 80% من الصواريخ وصلت لإسرائيل، وعلى الأقل نصفها أصاب الأهداف. ولولا أن إيران لم تقم بتحميل الصواريخ برءوس شديدة التفجير، لكانت الخسائر أكثر فداحة مما تحقق.
عاشرًا، لا مفر أمام إسرائيل سوى الرد على إيران، ولكن حجم هذا الرد هو المختلف عليه بينها وبين إدارة الرئيس بايدن. فبينما يريد هو ردًا محدودًا، تريد حكومة نتنياهو ضرب معامل البترول الإيرانية، ما يؤثر على أوضاع الاقتصاد الإيرانى المتأزم بالفعل، والتأثير على إنتاج وأسعار النفط عالميًا. لكن الأهم أن هذا يعتبر اعتداء غير مباشر على مصالح الصين، التى تعتبر أكبر مستورد للنفط الإيرانى. وقد يأتى هذا فى صالح روسيا والسعودية، فكل زيادة فى سعر البترول يعزز من موقفهما الاقتصادى. فى هذا السياق، لا يسع إيران إلا الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة، والتى سترد بحسب ما قاله الرئيس الإيرانى والحرس الثورى عبر استهداف البنية التحتية الإسرائيلية. ومن ثم، إذا كان البعض يراهن على أن اغتيال السيد نصر الله سيغير الموقف الاستراتيجى ضد المقاومة، فإن الأحداث إلى الآن تقول إن الشهيد نصر الله يعزز من صمود محور المقاومة فى مواجهة الغرور الإسرائيلى.
• • •
تبقى كلمة أخيرة، إن ما كشفته إسرائيل من تكتيكات واستراتيجيات أثناء المواجهة مع فصائل المقاومة فى غزة، ولبنان، واليمن، والعراق، وسوريا، ومع دولة إيران، يكلفها الكثير. فكما تابعت هى بيانات نعى حزب الله واستفادت منها لتنال من الحزب، فإن قوى كثيرة تتابع عن كثب كل ما تكشفه إسرائيل عما فى جعبتها من تكتيكات، واستراتيجيات، وسياسات. فهذه القوى قد تحتاج إلى هذا الكم من المعلومات فى المدى القريب جدًا. ولعل أقرب مسألة تتجلى فيها كيفية استخدام هذه المعلومات، ستكون عند تنفيذ إسرائيل استراتيجية تهجير الفلسطينيين والفلسطينيات عن طريق التجويع، فهى تراهن على أن تجويعهم سيدفعهم للخروج من موطنهم بحثًا عن مأوى، وتتمنى أن يكون ذلك عبر الحدود، لكن هيهات.