هل سيتحرر باراك أوباما؟

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 9 نوفمبر 2012 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

منذ أربع سنوات جاء انتخاب رجل أسود من أصول أفريقية بمثابة أمل وخلاص للكثيرين داخل وخارج الولايات المتحدة. ورأى الملايين حول العالم فى الرئيس الأمريكى الجديد تجسيدا لأحلامهم وآمالهم فى تغيير حقيقى لا يعرف أى حدود. منذ أربع سنوات أقسم باراك أوباما بالدفاع عن «الحلم الأمريكى» أمام أنصاره من الديمقراطيين، وصادف خطاب أوباما حينذاك الذكرى الخامسة والأربعين للخطاب الشهير الذى ألقاه الزعيم التاريخى لحركة الحقوق المدنية الأمريكية، والحائز على جائزة نوبل للسلام مارتن لوثر كينج عندما قال «عندى حلم»I have a dream ورد أوباما بصوت عال «أنا الحلم» I am the dream ليؤكد أنه شخصيا تجسيدا حيا للحلم الذى تحدث عنه كينج منذ نصف قرن. ويعد إعادة انتخاب باراك أوباما ترجمة حقيقية وبعيدا عن أى تجميل لمفهوم «الحلم الأمريكى»، وليؤكد أن انتخابه منذ أربع سنوات لم يكن استثناء أو صدفة، بل هو دليل لما يحب أن يطلق الأمريكيون عليه عبارة «فقط فى أمريكا».

 

 

الحلم له خصوصية فى العقلية الأمريكية كونه عماد ومصدر إلهام تاريخهم منذ قيام الدولة فى نهايات القرن الثامن عشر! ولفهم حجم ما وصل إليه أوباما فى إطاره التاريخى، نتذكر أن كلمة شخص أسود أو أفريقى ارتبطت بكلمة عبودية فى أمريكا. وجاءت نشأة المجتمع والدولة هناك على عدة أسس من أهمها ضرورة جلب عبيد بأعداد كبيرة من القارة الأفريقية للعمل فى الأراضى الشاسعة، ولم يمنع ويتوقف استيراد العبيد من أفريقيا إلا عام 1806. وكان صوت الأمريكى الأسود الحر يبلغ ثلاثة أخماس صوت المواطن الأبيض، وتطلب الأمر حربا أهلية ضروسا (1861-1865) للتغلب على تراث العبودية فى الولايات المتحدة راح ضحيتها 800 ألف شخص، ولم ينص الدستور الأمريكى على إلغاء العبودية إلا فى عام 1865. إلا أن التمييز تجاه السود استمر حتى ستينات القرن الماضى. لم يكن اللون والعرق فى حالة أوباما هى العوامل الحاسمة فى تحقيقه للنصر لا فى المرة الأولى ولا فى المرة الثانية. لم يفز أوباما بفضل تصويت السود فقط لصالحه، بل بفضل أصوات البيض بدرجة كبيرة. هذا لا يمنع أن بعض الديمقراطيين البيض قالوا إنه لا يمكنهم التصويت لأوباما لأنه أسود، كما يمكن أن يكون قليل من السود قد صوتوا له فقط لأنه أسود. إلا أن الحقيقة تكمن فى أن غالبية الأمريكيين الذين اختاروا أوباما لم يأخذوا فى الاعتبار مسألة الجنس أو اللون، إنما جاء اختيار هؤلاء الذين صوتوا لصالحه، على أساس شخصيته وكفاءته ورسالته.

 

 

أوباما أستاذ قانون، درس الحقوق فى هارفارد ودرسها فى جامعة شيكاغو. لذا لم يفهم كيف رفض أوباما خلال فترة حكمه الأولى أن يضم بلاده إلى محكمة الجنايات الدولية، كما أن واشنطن تحت حكمه مستمرة فى التقرب من الأنظمة المستبدة ذات التاريخ المخزى فى مجال حقوق الإنسان وحقوق النساء. سمح أوباما أيضا للتوازنات السياسية أن تقف مانعا أمام تحقيق وعده بإغلاق معتقل جوانتانامو، الذى قطعه على نفسه فى أول أيام حكمه. ورغم أن نص التعديلين الخامس والسادس من وثيقة الحقوق التى تعتبر جزءا أساسيا من الدستور الأمريكى بعدم قانونية احتجاز أى شخص للاستجواب حول أى جريمة كبرى أو جريمة شائنة إلا بتقديم أو توجيه اتهام من هيئة المحلفين العليا. كما لم يستطع أوباما إنهاء الحرب فى أفغانستان، وضاعف من استخدام الطائرات بدون طيار لقتل من تشك أجهزة المخابرات فيهم بدون أى محاكمة.

 

وقف أوباما عاجزا أمام حال الديمقراطية الأمريكية التى باتت تشكل خطرا حقيقيا على أمريكا. فمع أن الأمريكيين يفخرون دائما بديمقراطية بلادهم ورغم أنها حقا تعتبر أنجح الديمقراطيات فى العالم، إلا أن النظام السياسى الأمريكى قد يكون الأكثر فسادا فى العالم. والسبب وراء عدم إدراك معظم الأمريكيين لهذه الحقيقة هو أن الفساد هنا يكتسب الصفة القانونية. فرغم أن الأمريكيين يؤمنون بأن حكومتهم «حكومة الشعب ومن الشعب ولأجل الشعب»، فإن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك، فهى تبدو «حكومة الشعب من جماعات المصالح ولأجل مصالح هذه الجماعات»، وقد أنفقت جماعات المصالح الأمريكية العام الماضى ما يقرب من 4 مليارات دولار على جيش من اللوبى بلغ عددهم 13 ألف شخص يعملون فى واشنطن فقط، من أجل التأثير فى صنع السياسات الأمريكية المختلفة. لذا ليس من المستغرب أن تبلغ نسبة ثقة الشعب الأمريكى فى مؤسسة الكونجرس 12% فى استطلاع رأى حديث. ولهذا السبب لا يذهب نصف الشعب الأمريكى لصناديق الاقتراع ويفضلون قضاء يوم عادى بسبب عدم إيمانهم بوجود فروق حقيقية تذكر بين الحزبين فى القضايا العامة المهمة.

 

ورغم تمتع الولايات المتحدة بتاريخ قصير جدا طبقا لمعايير عمر الأمم والدول حيث لا يتعدى الـ235 عاما، فإنه لا توجد دولة تحبها كثيرا أو تكرهها بشدة شعوب العالم مثل أمريكا. ويمكن للمتابع للشأن الأمريكى أن يراها رمزا لقوى الشر المطلق، وقوة عظمى على شفا الانهيار، إلا أنه يمكن أيضا أن يراها كأمة عظيمة لو تناول أدوات تحليلية مختلفة.

 

 

هل يستطيع أوباما أن يلبى الكثير من توقعات الملايين ممن حلموا معه، خاصة بعدما تحرر من حسابات الانتخابات المقبلة؟ الانتخابات الرئاسية هى آخر انتخابات سيخوضها أوباما فى مساره السياسى. هل يا ترى ستأتى إعادة انتخابه لتحرره من ضغوط التوازنات السياسة والوعود الانتخابية ليثبت أنه زعيم ملهم استثنائى؟ أم أنه سيصبح رئيسا أمريكيا آخر لم يقدر على مواجهة نظام سياسى يعانى من أمراض المال والنفوذ والمصالح ودعوة حماية الأمن القومى؟

 

منذ مائتى عام قال أحد الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، بنجامين فرانكلين: «هؤلاء الذين يضحون بالحرية مقابل الأمن.. لا يستحقون أيا منهما».. فهل يتذكر أوباما تلك المقولة فى عالم اليوم؟

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved