متعة الديمقراطية وغموضها المثير

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 9 نوفمبر 2016 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

جاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة لتكشف عن وجه إيجابى آخر للديمقراطية التى نتابعها عن بعد لدى الآخرين، وهذه المتعة الناجمة عن الغموض المثير الذى يجعل هذه الممارسة السياسية والمجتمعية قادرة دائما على تجاوز كل التوقعات ومفاجأة الجميع بما لم يحسبوا حسابه.


ففى الوقت الذى كانت كل المؤشرات تقول إن منصب رئيس أمريكا بات محجوزا للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، اختار الأمريكيون مفاجأة العالم بانتخاب المرشح الجمهورى ذى التوجهات العنصرية المعادية للمسلمين بشكل خاص وللأجانب بشكل عام دونالد ترامب رئيسا لهم لمدة 4 سنوات مقبلة.

وقبل ذلك بأسابيع فاجأ الكولومبيون العالم بالتصويت ضد اتفاق السلام الذى وقعه رئيس الجمهورية خوان مانويل سانتوس مع متمردى حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية «فارك» لإنهاء حرب أهلية استمرت قرابة 52 عاما، فلم تحشد الدولة أجهزتها من أجل التصويت لصالح خيار الرئيس الذى فاز بجائزة نوبل للسلام تقديرا لتوقيعه اتفاق السلام.

تلك المفاجأة الممتعة والمثيرة للأمل والمعززة لثقة الشعوب فى قدرتها على التغيير وفرض إرادتها على السلطة، تجسدت عندما أوصل الناخبون اليونانيون حزب سيريزا اليسارى الصغير إلى السلطة العام الماضى بعد فشل الأحزاب الكبيرة القديمة التى تعاقبت على الحكم فى انتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية.

وقبل شهور كان العالم أيضا على موعد مع مفاجأة ديمقراطية أخرى عندما استيقظ على اختيار أغلبية البريطانيين خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبى فى الاستفتاء الذى جرى يوم 23 يونيو الماضى، وعلى غير هوى رئيس وزرائهم فى ذلك الوقت ديفيد كاميرون، الذى راهن على رفض الخروج، لكن الشعب كان اختياره مغايرا فلم يجد كاميرون بدا من الاستقالة والعودة إلى صفوف الجماهير داخل حزبه.

قد لا يرى البعض فى هذه المتعة والإثارة التى تخلقها الممارسات الديمقراطية فى مجتمعاتها إلا جانبا شكليا أو هامشيا عند الحديث عن الديمقراطية باعتبارها أفضل أسلوب حكم عرفته البشرية حتى الآن، لكننى أرى أن هذه المتعة والإثارة تعزز حيوية المجتمع وثقته فى نفسه، من ناحية، وتحقق لهذه المجتمعات احترام شعوب العالم من ناحية أخرى.

فى المقابل فإن تلك الممارسات الديمقراطية المزيفة التى يعرف الجميع نتيجتها قبل أن تبدأ فلا تضيف لمجتمعاتها إلا مزيدا من الإحباط والركود وخسارة احترام العالم لها، بل ربما كان من الأفضل أن يختار المجتمع من البداية إما نظاما ديمقراطيا تعدديا حقيقيا يحترم قواعد اللعبة ويتحمل نتائجها، أو نظام حكم سلطويا أحاديا، فلا يضيع وقته فى مناقشات عبثية لن تغير من مواقف السلطة شيئا، ولا يهدر أمواله فى انتخابات شكلية لا يعترف بها أحد، ولا يحترمها أحد.

أما محاولة الجمع بين الديمقراطية الشكلية المزيفة، والاستبداد الفعلى فأضرارها تفوق أضرار نظام الحكم الاستبدادى الصريح، لأنها تجعل من الحياة السياسية فى المجتمع مجرد تمثيلية يعرف كل لاعب فيها دوره المرسوم له ويلتزم به، وتصيب شخصية المواطن بالتشوه نتيجة الانفصام الحاد بين ما يسمعه من أحاديث الديمقراطية والحرية وواقع الاستبداد والقمع.

أخيرا فالديمقراطية الحقيقية تظل ممتعة للجميع حتى لمن يتابعها عن بعد كما يتابع مباريات دورى الأبطال الأوروبى بكل ما فيها من إثارة ومهارة لا يجدها فى مباريات بلاده المحسومة بشكل مسبق لصالح فريق السلطة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved