مفاجأة شريف عرفة

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الأربعاء 9 ديسمبر 2009 - 11:19 ص بتوقيت القاهرة

 لم أعد أحتمل صدمات جديدة.. هل فقدت القدرة على الصبر.. على التسامح.. على التعاطف.. هل فقدت القدرة على عدم التماس أعذار لمن كنت أثق فى فكرهم وإلهامهم وخيالهم الثرى وغيرتهم على أنفسهم وقدرتهم الخاصة على الإبداع بعد أن تأرجحوا بين دفتى الاستسهال والتراجع..

يبدو أننى لم أعد أحتمل!
ففى سوق السينما لم يتبق لدينا سوى عدد قليل من المخرجين يعدون على أصابع اليد الواحدة كنا نلقى عليهم العبء للخروج بأفلام تحفظ للسينما المصرية كبرياءها وجزءا من مكانتها التى تاهت فى الزحام بفعل فاعل.. كنا نحملهم رسالة متعتنا وإشباع رغبتنا فى مشاهدة سينما حقيقية كمريدين لهم.

من هؤلاء ــ لاشك ــ شريف عرفة الذى دعانى اسمه لمشاهدة فيلمه الجديد «ولاد العم».. لأجد تساؤلات كثيرة تطارنى وتؤرقنى عقب وأثناء مشاهدة الفيلم، ولم أرتح إلا عندما أقنعت نفسى بأن كل شىء قابل للكسر بما فيه لحظة الإبداع نفسها وأقنعت نفسى أيضا بأن المسافة لاتزال طويلة بيننا وبين أفلام الجاسوسية تلك النوعية من السينما التى يتم بناؤها أساسا على قاعدة المفاجآت طوال الخط وهى التى خلا منها فيلمنا بعد أن كشفت الأحداث عن نفسها فى المشاهد الأولى.

وبما أن الحكاية بانت فأنت تشعر بما سوف يحدث وتستنتجه بل وتستدرج ــ كمشاهد ــ البطل والأحداث إليه!! حتى الحوار كان مباشرا يخلو من مفردات الدهاء والفكر الملتوى الذى تعودنا عليه فى مثل هذه الأعمال وبالتحديد فى مفردات وسلوك البطل الذى يقتحم عالم الجاسوسية.

كما أن الصورة جاءت نمطية لم تحفزك أو تحمسك أو تزيد من ضربات قلبك لتلهث وراء المجهول، ولم تعمل حتى على إشغال خيالك المشتاق لمشاهدة رؤية جديدة لدينا الجاسوسية، وبالتحديد الصراع المصرى ــ الإسرائيلى فى كشف مخططات الجواسيس والعملاء.

بداية الفيلم جاءت صادمة وهى تسير فى اتجاهين: الأول يخص مذيع الإذاعة العبرية (مصطفى) كريم عبدالعزيز وهو يلقى أخبارا دالة على استمرار صراع الجاسيوسية بين القاهرة وتل أبيب فى ظل اتفاقية السلام، لنراها بعده مباشرة فى غرفة عمليات خاصة بضباط المخابرات المصرية حيث يتم تكليفه بالقبض على أحد العملاء. بينما الاتجاه الثانى يقدم لنا عزت أو دانيال (شريف منير) وهو يهرب زوجته (منى زكى) وطفليه بحرا من بورسعيد إلى تل أبيب.

لتجد الزوجة نفسها أمام علم إسرائيل ويخبرها الزوج بأنه ضابط مخابرات إسرائيلى وليس مصريا وعليها أن تتقبل الوضع.. إذن باتت خيوط اللعبة مكشوفة فبالفعل أنت تتنبأ بأن الضابط المصرى مصطفى سيتم تكليفه بإحضاز الزوجة المصرية وأطفالها من تل أبيب، وينتقل الصراع كله إلى داخل إسرائيل لترى طوال الطريق أحاديث ومقارنات بين جمال تل أبيب ووقاحة القاهرة، بين ديمقراطية إسرائيل وفهلوة القاهرة، والعكس. وقد غلبت فهلوة القاهرة على يد السيناريست عمرو سمير عاطف والمخرج شريف عرفة حيث رأينا ما لم نصدقه ونقتنع به..

رأينا مصطفى وهو يدخل مبنى الموساد بسهولة ويسر، يقتحم مكتب دانيال، ثم نرى من يفجر كل سيارات الموساد وهو يحاول الهرب ثم نراه فيما بعد يقود مغامرة بالسيارة وسط العاصمة الإسرائيلية ويعبر الحدود ويقتل الضابط الإسرائيلى ثم قطعا يعود بأسرته فى أمان إلى القاهرة. كان يمكن أن أصدق مثل هذا الأسلوب من الحكى والتصوير فى أفلام الصراع بين فريد شوقى وتوفيق الدقن ومحمود المليجى والتى أمتعتنا فى وقتها.

لكنها لم تقنعنى فى (ولاد العم) لأن الصورة كاملة لا هى اعتمدت على أسلوب السرد الحوارى الخاص بهذا العالم، ولا هى قدمت الصورة المبهرة المنتظرة.. كما أننى أتقبل سينمائيا الجملة الأخيرة على لسان بطلنا المصرى وهو يغادر أرض إسرائيل (إن شاء الله هنرجع بس مش دلوقت) وإذا كانت هذه الجملة بمثابة رسالة سياسية، فهى بدون معنى لأن الصراع لم يتجاوز منذ البداية قضية تجنيد العملاء وحرب الجواسيس ثم هل ماتزال للقاهرة أطماع أو أحلام فى اقتحام الأراضى الإسرائيلية؟!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved