العالم العربى على مفترق طرق

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 9 ديسمبر 2019 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

هل نشهد اليوم ربيعا عربيا ثانيا، رغم تراجع الكثيرين عن توصيف الربيع العربى الأول بذلك بعدما تحول إلى «شتاء» شديد العواصف فى الحالة السورية والليبية واليمنية. دول تعانى من حروب مختلفة تفتك بها بعدما خطفتها صراعات الإقليم الشرق أوسطى، فيما لم تنجح الدول الأخرى فى الانتقال الكامل إلى ضفة التغيير المطلوب والمنشود وما زالت تعانى من تحديات جمة. الموجة الثانية من الربيع العربى تضم كلا من السودان والجزائر والعراق ولبنان والباب مفتوح لانضمام آخرين. ومع اختلاف الظروف فيما يتعلق بصاعق التفجير فى كل من هذه الدول لكن يبقى هنالك عنوانان أساسيان مشتركان وهما الوضع الاقتصادى ــ الاجتماعى المتردى وطبيعة تركيبة السلطة التى لا تسمح بالإصلاح الفعلى المطلوب والمنشود لمعالجة التردى الحاصل والشامل ولو اختلف الوضع بين بلد وآخر من حيث طبيعة ودرجة العلاقة المأزومة بين السلطة والمجتمع. ما يجمع بين هذه الحالات أن السلطة أقوى من الدول وقد صادرت مؤسساتها وإن شخصنة السلطة ولو بصيغ ونماذج سياسية ومسميات مختلفة يأتى على حساب دولة المؤسسات.
كثيرة هى التحديات التى يواجهها العالم العربى والتى ستزداد فى مخاطرها على المجتمعات والدولة فيما لو لم يحسن التعامل معها بفعالية. من هذه التحديات أن ثلثى سكان العالم العربى تقريبًا هم من الشباب وإن مستوى البطالة عند الشباب التى فاقت 10 بالمائة هى ضعف معدلات البطالة الشبابية على المستوى العالمى وإن المطلوب خلق حوالى 10 ملايين وظيفة كل عام لمحاربة فعالة للبطالة وللانعكاسات الخطيرة التى تحملها فيما لو لم يتم التعامل معها بنجاح. من التحديات أيضًا تراجع دور الاقتصاد الريعى بسبب تراجع أسعار النفط وانعكاس ذلك على دول نفطية وأخرى مصدرة للعمالة وانعكاس ذلك على زيادة نسبة البطالة وتراجع النمو على المستوى العربى. من هذه التحديات أيضًا كما يحذر مسئولون فى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» أن شح المياه يضع 14 دولة عربية فى دائرة الخطر ويهدد بتداعيات كارثية بسبب التأثير السلبى لنقص المياه على أوجه عديدة فى حياة المجتمع وتطوره مما يهدد أيضًا أى مشروع وطنى للتنمية المتوازنة والشاملة.
يساهم فى سوء الأوضاع أيضًا، رغم الإمكانات الكبيرة المادية والبشرية الكامنة فى العالم العربى، فيما لو أحسن استخدامها وإدارتها، غياب «ثقافة» التكامل الاقتصادى التدرجى بين الدول العربية: التكامل الذى يقوم بأشكال وسرعات مختلفة ولكن على أسس ومعايير موضوعية «واقعية» وليس أيديولوجية «شعاراتية»، فى تحديد وبلورة المصالح المشتركة والبناء عليها من جهة ومحاصرة الاختلاف ومنعه من الإطاحة بالمشترك من جهة أخرى. فتسييس الاقتصاد وشخصنة السياسة كما هى الحال بشكل كبير فى العديد من الدول العربية يشكل عوامل رادعة أو مانعة لمختلف أوجه التعاون الاقتصادى الإنتاجى مع ما يحمله ذلك، فيما لو أحسن إدارته، من نتائج إيجابية على التنمية فى المجتمعات العربية. أضف إلى ذلك أن التنمية الاقتصادية الاجتماعية مرتبطة بالتنمية الثقافية أى بالمفهوم العام والشامل للثقافة كما هى مرتبطة بالتنمية السياسية: التنمية التى تقوم على تعزيز وتحصين دولة المؤسسات التى تقوم بدورها على مفهوم المواطنة وعلى الحوكمة الجيدة وعلى التشاركية الشاملة للجميع فى السلطة وكذلك على المساءلة والشفافية.
تحديات داخلية جمة تعيشها دول عربية عديدة، ويعبر عنها بأشكال مختلفة من الأزمات وتأتى فى لحظة شديدة الدقة مع ازدياد الحرب الباردة الدولية الإقليمية فى المنطقة: الحرب التى تحاول بعناوين مختلفة تحملها أطرافها المتصارعة مصادرة هذه المطالب «الداخلية» المختلفة وتوظيفها لمصلحتها فى الصراعات الخارجية حول هذه الدولة أو تلك. وقد تنجح فى ذلك لبعض الوقت وبدرجات مختلفة ولكنها لن تستطيع إلغاء حراك هنا وهنالك ناتج عن أوضاع تزداد سوءًا يومًا بعد يوم تحاصر المواطن وتقمعه فى حياته اليومية. ولابد من التذكير أن غياب التنمية الشاملة والناجحة واستمرار التوترات الداخلية بمصادرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تساهم فى جعل المجتمعات العربية منكشفة لا بل جاذبة للصراعات المختلفة فى الإقليم فى حين أن بناء المناعة الوطنية عبر التنمية الشاملة كفيل بتحصين المجتمع من هذه العواصف التى تمزقه. تحديات جمة يواجهها العالم العربى بأوقات ودرجات مختلفة وهو يقف على مفترق طرق: بين الغرق والانهيار الكلى وبين الإنقاذ الوطنى عبر إحداث قطيعة جريئة وشجاعة مع السياسات التى دفعت الأوطان نحو هذا المسار الانحدارى والانتحارى. فهل نأخذ العبرة من أخطاء وخطايا الأمس والحاضر لبناء مستقبل مزدهر فتبدأ مسيرة الإنقاذ الوطنى.
أى درب سنسلك؟ سؤال سيجيب عليه المستقبل القريب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved