ابتزاز أمريكى جديد

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 9 ديسمبر 2020 - 10:54 م بتوقيت القاهرة

ها أن الأصولى المسيحى اليمينى المتطرف، صهيونى الهوى، صديق وداعم لبطانة نتنياهو الاستعمارية الاستئصالية الجاثمة على رقبة شعب فلسطين بالقتل والسجن والتهجير وسرقة الأرض والمياه.. ها أن الذى يحلم ويخطط ليأخذ مكان الرئيس المهزوم ترامب وقيادة الحزب الجمهورى فى انتخابات سنة 2024 الرئاسية الأمريكية، وبالطبع على شرط بدعم من اللُوبى الصهيونى الأمريكى، يوجه فى أحد عواصم بلدان العرب بأن أمريكا ستعتبر أى تعرض أو نقد أو ذكر لكلمة الصهيونية مساو لمعاداة السامية، وبالتالى مساو للإرهاب والتعصُب العرقى.
وهكذا ستكتمل حلقة الحماية التامة الأمريكية للاستعمار الاحتلالى الصهيونى لفلسطين المحتلة. فإن أنت أشرت ولو بكلمة واحدة لبعض أكاذيب ومبالغات الهولوكوست، كما فعل العديد من مفكرى وكتاب الغرب، سواء من اليهود أو من غير اليهود، فأنت معاد للسامية. فرواية الهولوكوست ليست حدثا تاريخيا فيه ما فيه وعليه ما عليه، وإنما أصبحت سردا مقدسا لا يمكن مناقشته أو مس كلمة منه. وهو مطلوب أن يبقى سردا متميزا وخاصا لا يشبه أى سرد آخر، جاثما على ضمير الإنسانية إلى يوم القيامة. وإلا كيف ستستمر مسرحية ابتزاز وحلب الغرب، وبالأخص ألمانيا، جيلا بعد جيل وإلى أبد الآبدين؟
وفى الجهة المقابلة، وكما يملى بومبيو على العالم، إن أنت أشرت إلى الاسم الحركى للصهيونية، وما بنى عليها من ادعاءات وأكاذيب تاريخية ودينية وافتراءات حتى على خالق الكون، وذلك من أجل تبرير سرقة أرض فلسطين من أهلها العرب وتهجيرهم إلى المنافى، وادعاء حق ملكية كل ما بين نهرى النيل والفرات كأرض منحها الله لشعبه المختار، فإنك أيضا ستكون معاديا للسامية، وستضعك السلطة الأمريكية الحاضنة للصهيونية فى قائمة الإرهابيين، وستفرض تلك القائمة على العالم كله.
وهكذا سيكون كل يهودى فى العالم، وليس أى مسيحى أو مسلم أو بوذى أو هندوسى أو ملحد أو تابع لأى دين، له وضع خاص فى مسيرة تاريخ البشرية. إنه فوق أى نقد أو مساءلة أو محاكمة.
لكن أمثال ترامب وبومبيو وكوشنر يتجاهلون عن عمد ما يدور من نقاشات ناقدة ورافضة لأغلب ما بنيت عليه الصهيونية الكلاسيكية وشقيقتها الصهيونية اليمينية المتطرفة التى ينادى بها حزب الليكود، والتى يكتبها ويجاهر بها علنا، فى داخل الكيان الصهيونى وخارجه، بعض أحرار وأشراف وأصحاب ضمائر من كتاب ومفكرى اليهود، خصوصا تحت عنوان «ما بعد الصهيونية». وذلك إضافة لرفض أغلبهم للممارسات اليومية الاستعمارية والاستعلائية التى تمارس باسم المبادئ والحقوق والخرافات الدينية التى تقوم عليها أفكار كل أنواع الصهيونيات، ابتداء بالصهيونية السياسية العلمانية الكلاسيكية، مرورا بصهيونية الخلاص والصهيونية التصحيحية والصهيونية الروحية والثقافية والصهيونية المقاتلة، وانتهاء بغالبية أنواع صهيونيات ما بعد الصهيونية.
لكن أولئك وأتباعهم قلة، أما الأغلبية الساحقة فلا يعترفون إلا بشعار «أرض إسرائيل لشعب إسرائيل حسب توراة إسرائيل»، وأن الفكرة السياسية لدولة إسرائيل الكبرى (من النيل إلى الفرات) قد تبلورت، وبالتالى لا مساومة على يهودية الكيان الصهيونى كضرورة للوصول إلى ذلك الهدف، مما يعنى طرد السكان العرب من كل فلسطين التاريخية ورفض عودة المهجرين، وفى أحسن الحالات معاملة العربى الفسطينى كمواطن من الدرجة الثالثة.
من هنا لا يستطيع الإنسان إدراك هذا العمى الأمريكى غير الإنسانى لكل ما يكتب ويقال عن الفكر والتنظيم الصهيونى عبر أكثر من مائة عام، منذ المؤسس هرتزل، بل وما قبله، ولكل الممارسات اللاإنسانية، من قتل وسجن الأبرياء وهدم البيوت وسرقة الأرض والمياه ومحاصرة الملايين فى غزة والمماطلات الحقيرة التى لا تنتهى فى كل المباحثات. لا يستطيع الإنسان فهم كيف لا ترى الحكومات الأميركية المتعاقبة الوجهين المتناقضين للوجود الصهيونى منذ احتلال فلسطين عام 1948: وجه الدعايات والتجميل الظاهر والوجه القبيح الكالح للممارسة اليومية.
ما يفجع القلب هو أن يتجرأ بومبيو ويقول ذلك فوق أرض عربية وباحتقار متعمد لمشاعر ومواقف شعوبها وضدا لكل ما كتب وقيل عن الجوانب المظلمة فى الحركة الصهيونية فى آلاف المقالات والكتب.
أما الفجيعة الأكبر فهى وجود بعض العرب ممن بدا حماسهم وجهلهم وبلاداتهم السياسية يساهمون فى بناء صهيونية جديدة، هى الصهيونية العربية، والتى يبدوا أنها ستنافس الصهيونيتين: الصهيونية التاريخية اليهودية بشتى صورها والصهيونية الأميركية بشتى ألاعيبها ومجانينها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved