حوارات فيكتور سلامة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 - 6:35 م
بتوقيت القاهرة
خمسة عشرة حوارًا أجراها الكاتب الصحفى فيكتور سلامة مع البابا تواضروس الثانى خلال ثلاثة عشرة عامًا أعيد نشرها ــــــ منذ أيام ــــــ فى كتاب أنيق يحمل عنوان «حوارات 13 سنة فى رحلة مع البابا تواضروس». ولم يكتف المؤلف بالمادة الصحفية، لكنه نشر إلى جوارها عددًا كبيرًا من الصور تمثل فى ذاتها توثيقًا مصورًا يعزز النص المكتوب، ويغذى خيال القارئ.
أعرف الأستاذ فيكتور سلامة منذ سنوات بعيدة، وقد بلغ قبل شهرين عامه الثمانين، أتمنى له طول العمر وموفور الصحة، وهو يمثل نموذجًا للصحفى الخلوق، المهذب، والمتواضع، والمجامل رقيق المشاعر، الذى حمل على عاتقه الشأن القبطى فى جريدة «وطنى» التى ظلت حتى وقت قريب من المنابر القليلة التى تهتم بالأقباط، ثقافة وروحانية، تاريخًا وهمومًا، قبل أن ينفتح الإعلام بكثافة على الأقباط، إلى حد أن أصبح هناك صحفيون متخصصون فيما يُعرف بـــ«الملف القبطى»، وهو مصطلح لا أرتاح إليه كثيرًا، لكنه أصبح متداولا، ويعبر عن مجال انشغال مهنى لعدد من الصحفيين. ولم يكتف فيكتور سلامة فى عمله الصحفى بالأقباط وكنيستهم الوطنية، لكنه انشغل بقضايا الفقراء، والمتألمين، والمرضى والمحتاجين من خلال باب أسسه فى «وطنى» يحمل اسم «المحطة»، يلتقى فيها بالمحتاج إلى العلاج، والمتألم الذى يرجو الشفاء، وهناك العشرات من المرضى وجدوا فيه سندًا وعونا، وصار كثير منهم أصدقاء له، وقد اعتاد أن يكتب بأسلوب رشيق عن متاعب هؤلاء المرضى فى رحلة البحث عن العلاج بكل ما يحيط بها من ألم وعناء، وإحباط ورجاء، ويمثل ذلك لونًا من الصحافة الاجتماعية الإنسانية التى نراها على استحياء فى مجتمعنا، فى حين أنها تشكل مجالًا واسعًا فى الصحف الغربية. ولم يكن حب العطاء مهارة أو شكلا مهنيًا يؤديه فيكتور سلامة، لكنه ينبع من داخله، ويعبر عن شخصيته التى تنزع تلقائيا إلى مساعدة الآخرين، فلم يبخل على أحد، سواء بالخبرة أو الرأى أو المشورة أو المساعدة، حتى إن لم يطلب ذلك.
وتمثل الحوارات التى نشرت فى «وطنى» رحلة فى مسيرة البابا تواضروس الثانى على الكرسى البابوى منذ عام 2012، وهى ترصد رؤيته للشأن الكنسى، والتفاعل مع الوطن وشركاء المواطنة، وآراءه الإنسانية والروحية، ونظرته المؤسسية، والتغيرات التى حلم بها، والتى تحقق جانب منها، وتقف أمام أحداث مهمة ألمت بالكنيسة مثل الاعتداء على الكنائس عام 2013، ووباء كوفيد-19 أو كورونا، وغيرها. ويستطيع القارئ أن يدرك من خلال تلك الحوارات الممتدة وضوح رؤية البابا تواضروس للكنيسة ودورها حاضرًا ومستقبلا، وكيف أنه لا يكتفى بالنظرة العامة أو المبادئ الكلية، بل يغوص فى التفاصيل ودقائق الأمور، ويدرك حجم التحديات والمخاطر.
لن أتحدث عن جودة السؤال وعمق الإجابة فى تلك الحوارات المعبرة عن رحلة عرفنا بدايتها، ولا ندرك مداها، ولن أعيد تقديم أجزاء منها أو ألفت الانتباه إلى نصوص مهمة انطوت عليها، فهذه مسألة أتركها لقارئ الكتاب، ولكنى أتوقف أمام موضوع آخر وهو أهمية الحوار ذاته بوصفه أرشيفًا للحياة، وتوثيقا للأشخاص، والأزمنة، والأماكن، وهو ما وجدته فى حوارات فيكتور سلامة، التى حرص أن يوثق فيها لحظة الحوار ذاتها، زمانا ومكانًا، دون الاكتفاء فقط بطرح السؤال، وتدوين الإجابة. ويدرك الباحث فى العلوم الاجتماعية أهمية الحوار فى الحصول على معلومات، ورصد التغيرات السياسية والاجتماعية، وإدراك التحولات فى القيم والأفكار، وتبين آراء النخبة، وكذلك نظراتهم الإنسانية، ومشاعرهم الشخصية، ويعرف الخبراء فى تحليل النص أهمية كل كلمة ترد على لسان شخصية بارزة فى سياقاتها ودلالاتها، وأظن أن ذلك الكتاب، وأعمالا أخرى مشابهة، سوف تُشكل مادة يٌقبل عليها الباحثون حين يتجهون إلى تأريخ تلك المرحلة المهمة من مسيرة الكنيسة القبطية.