خطابات كاذبة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 10 يناير 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

الأزمة الإيرانية الأمريكية التى جرت وقائعها خلال الأيام الأخيرة، عقب اغتيال أمير الحرب الإيرانى الجنرال قاسم سليمانى فى هجوم أمريكى قرب مطار بغداد، كشفت عن سمة عامة يتسم بها خطاب تيار الإسلام السياسى فى المنطقة، سواء «آيات الله» فى طهران، أو «إخوان مصر» أو «حماس غزة»، ألا وهى الكذب المتعمد، الذى يهبط بمعنويات من يصدقونهم فى كل مرة إلى الحضيض.
بعد دهس أمريكا للكبرياء الإيرانى باغتيال سليمانى، رفع «آيات الله» من سقف طموحات وتوقعات الشعب الإيرانى فى الانتقام والثأر لـ«قائدهم الكبير» و«مايسترو» توسعهم فى المنطقة، عبر ترديد خطاب راديكالى عنيف، يتحدث عن رد قوى يزلزل الأرض تحت أقدام الولايات المتحدة، ويعيد إليها جنودها المنتشرين بالمنطقة فى توابيت لا تستطيع إحصاء عددها.
عندما حان موعد اختبار هذه الوعود على أرض الواقع، ابتلعت إيران بكل هدوء الإهانة الأمريكية، واكتشف الجميع حجم الكذب، الذى مارسه «آيات الله» على شعبهم ومن يتفق معهم على كراهية الأمريكان، ولم يكن «الرد المزلزل» الذى تحدثوا عنه ليلا ونهارا، سوى بضعة صورايخ بالية ضعيفة التوجيه والقوة، وتم إطلاقها أغلب الظن باتفاق مسبق مع من يصفونه بـ«الشيطان الأكبر»، بل إن دولا غربية ترجح أن إحداها أصاب طائرة ركاب مدنية أوكرانية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصا، معظهم من الإيرانيين!.
فى مصر اختبرنا أيضا هذا النوع من الخطابات الكاذبة لتيار الإسلام السياسى، عندما حاول قادة جماعة الإخوان، إجهاض انتفاضة الجماهير ضد حكمهم، بإطلاق تهديدات جوفاء عن قدرتهم على إحراق الأرض تحت أقدام مؤسسات الدولة التى ناصرت ثورة الشعب فى 2013، وهو الأمر الذى صدقه فقط مؤيدو الجماعة، ثم اكتشفوا أن قادتهم ألقوا بهم إلى التهلكة، وفر بعضهم من ساحة المواجهة فى «ملابس نسائية»!.
فى غزة حيث الولاية الحمساوية الإخوانية، كان هذا الخطاب حاضرا بقوة فى كل مواجهة مع جيش الاحتلال الإسرائيلى، إذ لم يتوان قادة حماس عن إطلاق كم هائل من التهديدات الجوفاء الكاذبة عن الردود المزلزلة على العدوان الإسرائيلى، ثم يكتشف الجميع أن البسطاء وحدهم هم من دفعوا فواتير الدم والدمار والخراب الذى سببته آلة القتل الصهيونية.
نفس الخطاب الراديكالى العنيف، ردده من قبل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، وأبو بكر البغدادى، زعيم تنظيم داعش ضد الولايات المتحدة، وكانت النتيجة واحدة، وهى مقتلهما على يد الجنود الأمريكيين، فى حين أن أغلب جرائم هذين التنظيمين الإرهابيين، دفع ثمنها شعوب المسلمين، سواء بشكل مباشر عن طريق عمليات التدمير والتخريب وزرع الفتنة فى أوطانهم، أو بشكل غير مباشر عن طريق تشويه صورتهم وصورة دينهم فى العالم، عبر ربط الإسلام بالإرهاب والعنف والتطرف.
إذن.. أغلب رموز تيار الإسلام السياسى، سواء أكانوا جماعات أم تنظيمات أم أفرادا، لا يختلفون كثيرا عن «آيات الله» الإيرانيين فى الكذب والتضليل والتدليس على الشعوب، التى تكتشف فى كل مرة حجم الوهم الذى عاشوا فيه جراء هذا الخطاب الراديكالى الذى خاطب عواطفهم ومشاعرهم، من دون أن يكون له أساس من العقل أو المنطق.
هل معنى هذا أن نستسلم أمام طغيان القوة الأمريكية أو الإسرائيلية فى المنطقة؟ بالتأكيد لا.. فمقاومة الاحتلال الإسرائيلى للأرض العربية «فرض عين» على كل الشعوب العربية، وحق مشروع تكفله جميع المواثيق والشرائع الدولية، كما أن من حق إيران الرد على قيام الولايات المتحدة، بتصفية الرجل الثانى فى نظامهما.
لكننا نتحدث هناك عن ضرورة ملائمة الخطاب المستخدم للواقع الذى نعيشه والإمكانات التى توجد بين أيدينا.. فالحديث المبالغ فيه عن قدراتنا الكبيرة فى مواجهة الأعداء وتحطيمهم وتدميرهم، ليس أكثر من مراهقة سياسية لجماعات الإسلام السياسى، تستغلها القوى الطامعة فى ثروات ومقدرات المنطقة بكل براعة فى تحطيم معنويات شعوبها عقب كل هزيمة توجهها لتلك الجماعات.
ليس هذا فقط، بل إن هذا التيار يثبت يوما بعد يوم، خدمته لمشاريع القوى الغربية فى المنطقة، وأن «آيات الله» فى طهران، وتيارات وجماعات الإسلام السياسى فى المنطقة، ليسوا أكثر من أدوات يتم استخدامها سواء عن قصد أو غير قصد، لتنفيذ هذه المشاريع، وإذا نظرت تلك الجماعات إلى نفسها جيدا فى المرآة، لرأت وشاهدت حقيقتها العارية الواضحة كوضوح الشمس، وأدركت على الفور أن ضحاياها فقط هم من أبناء هذه الأمة، ولو كانت صادقة فى مقاومة الأعداء كما تدعى، لوجهت بنادقها إليهم.. فأغلب الذين يسقطون يوميا فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وسيناء، هم ضحايا لهذا التيار المتطرف الذى يدعى زورا وبهتانا أنه يدافع عن المستضعفين فى الأرض!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved