النهضة تسرق بريق «النداء»

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 10 فبراير 2015 - 8:10 ص بتوقيت القاهرة

آيعلل رئيس الحكومة الجديد تشريك حزب النهضة فى التركيبة الثانية للحكومة بأنه جاء مراعاة لمصلحة البلاد إذ لا إمكانية لحدوث الاستقرار السياسى والاجتماعى طالما أن النهضة مقصاة، بل إنه لا مجال لنيل الحكومة ثقة أغلب نواب الشعب إلا فى صورة تشريك عدد من النهضاويين. ويبرر عدد من قيادى حزب النداء تراجع الحزب عن وعوده بعدم تشريك النهضة فى الحكم أثناء الحملة الانتخابية، بأنه حدث بسبب تعنت الجبهة الشعبية التى رفضت أن تكون ممثلة فى الحكومة. وفى ظل عدم تحمل قيادى حزب النداء المسئولية السياسية والأخلاقية لاتخاذ القرارات، مثلت الجبهة الشعبية الشماعة التى تعلق عليها الأخطاء.

ونجم عن اتخاذ هذا القرار الحاسم مجموعة من النتائج لعل أهمها اتساع الخلافات داخل حزب نداء تونس، وتبادل التهم بين القياديين، بل إن منهم من أعلن بأنه سيصوت ضد هذه الحكومة التى لا تمثل طموحات الندائيين وتتنكر للوعود، وتخون إرادة الناخبين الذين صوتوا للنداء إما لأنه يمثل الحزب المدافع عن مشروع اجتماعى يتعارض مع مشروع النهضة أو لأنهم اضطروا لمساندته وفق «التصويت المفيد».

والواقع أن هذه الأزمة الداخلية متوقعة بحكم تركيبة حزب النداء. فهو خليط هجين منذ تأسيسه ضم تيارات متباينة فى منطلقاتها السياسية، ومرجعياتها فضلا عن اختلاف تجاربها فى المجال السياسى إذ ضمت من كان ضد بن على مع من كان يخدم نظام بن على. فكيف يمكن التوفيق بين كل هذه المكونات للخروج بتصور دقيق وواضح؟ ولهذه الأسباب آثر حزب النداء ترشيح شخصية مستقلة لتكوين الحكومة اعترافا منه بأن ترشيح شخصية من النداء سيعرض الحزب لصراعات أخطر، وسيكون فى حالة الفشل، المسئول عن سوء إدارتها.

•••

وفى المقابل لم يبق حزب النهضة مكتوف اليد إذ أعلن منذ البدء، أكثر من مرة، عن رغبته فى أن يكون ممثلا فى الحكومة، واتخذ قياديوه استراتيجية تواصلية ناجحة فبدوا كالحمل الوديع. وعندما أقصيت النهضة واصل القياديون الضغط حتى تفرض بعض الشخصيات فى تركيبة الحكومة، وتقصى شخصيات بدت فى نظر «النهضة» استئصالية مثل المناضلة النسوية خديجة الشريف التى تعرضت لحملة تشويه. واحتجت «كتائب النهضة» فى حملتها بفيديو قديم للشريف اعتبرت فيه أن الحجاب مظهر من مظاهر الرجعية. والحال أننا نعرف أن المرأة غيرت مواقفها من الحجاب. وما أكثر التونسيين الذين قاموا بمراجعات.

وتذكرنا هذه الحملة بحملة مماثلة شملت الغنوشى حين اتهمه «العلمانيون» بأنه يهين المرأة حين كتب فى مؤلفه «المرأة بين القرآن وواقع المسلمين» (ص50) «...وميزات المرأة تتمحور حول وظائفها الجنسية، كل ميزة تمتاز بها المرأة لها علاقة بوظيفتها الجنسية أو هى نتيجة لهذه الوظيفة، والوظيفة الجنسية شىء أساسى بالنسبة للمرأة بينما هى عرض بالنسبة للرجل، وهذه الوظيفة هى أصل الطابع الأنثوى وكل صفة أخرى ثانوية تتغير بتغير الزى مهما بدت أساسية، مما يجعل الوظيفة الجنسية هى جوهر الأنثى..» ولئن برز الغنوشى فى ثوب مغاير فى السنوات الأخيرة، و«غُفرت» مواقفه من النساء وأمريكا، فإن الأمر عندما يتعلق بناشطة نسوية يغدو زلة لا تغتفر، تعاقب من أجلها فتفرد من حكومة الجمهورية الثانية «إفراد البعير الأجرب».

•••

المهم فى الأمر أن رسالة النهضة من وراء فرض إرادتها كانت واضحة إذ استطاعت أن تحدث صدعا داخل النداء آثاره ستبقى على امتداد الزمن، وأثبتت أنها قوة لا يستهان بها، وشوهت صورة الحكومة إذ بدت مثيرة للجدل، بل الاستياء، وفاقدة «للبريق».

وهكذا بدت حكومة «الصيد» فى مأزق إذ كيف ستكتسب ثقة التونسيين، والحال أنها لم تنل ثقة كل الندائيين، وحتى الحلفاء الذين ساندوها هم غير مضمونين. فهل ستبقى النهضة حليفة دائمة فتوافق على أغلب القوانين المقترحة أم أنها ستعمل على عرقلة الحكومة.

لقد ولى عهد «تونس تونس إسلامية والتجمع على برا» (خارج الحكم) وحل عهد حكومة النداء بأطيافه المختلفة، بما فيها التجمع فى علاقة ود مع النهضة. فهل سيكون الزواج بينهما «زواج مسيار» أو «زواج مصياف»؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved