حدائق الأهرام.. «مدينة الألف مشكلة»

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 10 فبراير 2020 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

واقعة جديدة تعيد منطقة حدائق الأهرام المجاورة للمتحف المصرى الكبير بالجيزة إلى واجهة الإعلام، ودائرة الاهتمام الأمنى، على الرغم من تلال المشكلات التى يعيش فوقها قاطنو وملاك عشرات الآلاف من الواحدات السكنية فى «مدينة الألف مشكلة»، كما يطلق عليها البعض مجازا، بعد أن تحولت من واحة للهدوء والسكينة، ومن نموذج حضارى للبناء والعمران، إلى ساحة للمخالفات وارتكاب الجرائم.
قبل يومين تم العثور على ثلاثة قتلى هم زوج وزوجته وابنته الرضيعة بأحد عقارات البوابة الثانية، قرب النادى الرياضى الاجتماعى الوحيد فى حدائق الأهرام. ملابسات الحادث هى الآن فى أيدى جهات التحقيق، ولا داعى للخوض فى تفاصيلها، على الرغم من كونها مادة دسمة لصفحات ومحررى الحوادث الذين سارعوا إلى المكان للوقوف على ما جرى.
حادث مقتل ثلاثة أفراد من أسرة واحدة، ليس الأول، ولن يكون الأخير الذى يلفت الانتباه إلى حدائق الأهرام فى صفحات الحوادث، فقد شهدت المنطقة من قبل مئات الجرائم التى تنوعت بين سرقة المنازل والسيارات، والسرقة بالإكراه على يد بلطجية، والممارسات غير الأخلاقية، والقتل، وحتى السطو المسلح على المحال التجارية التى انتشرت بالمخالفة للقانون وتفتح وتغلق أبوابها فى غياب أية رقابة، على الرغم من الشكاوى اليومية التى يرفعها أهالى المنطقة إلى الجهات المسئولة.
حقيقة، وعند وقوع كل جريمة تسارع الأجهزة الأمنية للقيام بدورها على أكمل وجه، لكن بعد ذلك «صباح الخير يا جارى أنت فى حالك وأنا فى حالى»، فلا رادع للمخالفات اليومية التى يرتكبها على سبيل المثال سائقو التوكتوك الذين ابتليت بهم حدائق الأهرام، وفاضوا عنها، لدرجة السير عكس الاتجاه على طريق الفيوم الرئيسى للوصول إلى محطة بنزين قريبة للتزود بالوقود، وخاصة فى أول الليل، معرضين حياة آلاف الناس للخطر، من دون أن يجدوا رجل مرور واحدا يمنع مخالفاتهم المتكررة.
الأمن الغائب، والطرق المتهالكة المليئة بالحفر والمطبات، والمبانى المخالفة، والمستشفيات والعيادات والمقاهى التى أقيمت بلا ترخيص، والمطاعم والمخابز التى تفتقر إلى الحد الأدنى من المواصفات، وورش إصلاح السيارات التى حولت مكان جرى تخطيطه على أفضل وجه، إلى منطقة عشوائية، كانت دافعا لسكان حداق الأهرام إلى طرق أبواب السادة المسئولين التنفيذيين والأمنيين، وأعضاء البرلمان، وكل جهة يرون فيها أملا لسماع صوت أنينهم.
فى مقابل تلك المشكلات التى ساهمت «الجمعية» القائمة على شئون حدائق الأهرام فى خلقها بتقاعس مسئوليها، لم يتلق أصحاب المظلمة سوى الوعود تلو الوعود بحلول لا تأتى أبدا، رغم أن المنطقة تضم فى جنباتها أكثر من 5 آلاف عقار كل واحد منها يضم 20 وحدة سكنية على أقل تقدير، بما يعنى أننا بصدد نصف مليون مواطن حلموا بمسكن لائق لم تتحمل الدولة فيه مليما واحدا.
لقد مل سكان حدائق الأهرام من اعتبارهم «سكان كمبوند»، عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم، ولم يعد لديهم قدرة على تحمل تنصل المحليات من القيام بدورها، لأنه لا يوجد كمبوند يضم نصف مليون مواطن ويعيش قاطنوه بلا رقابة حقيقية، وبما يمثل خطرا على مستقبل منطقة مجاورة لهم تضم أهم آثار مصر والعالم، وينتظر أن يتدفق عليها ملايين السائحين مع افتتاح المتحف المصرى الكبير بنهاية العام الجارى.
حدائق الأهرام قد تصبح قنبلة موقوته تشكل تهديدا لمنطقة الأهرامات الأثرية والمتحف المصرى الكبير بما يحتويه من كنوز، ويجب أن نضع فى حسابنا ما يمكن أن ينتج عن الفوضى التى تعم المكان، وما يمكن أن يخرج عن بواباته السبع من مشكلات أمنية فى المستقبل القريب.
لا نريد أن تكون حدائق الأهرام مادة صحفية وإعلامية مقرونة بوقوع الجرائم، والشكوى من الإهمال، ولا نريد لها أن تتحول من مدينة مخططة على أحدث طراز إلى منطقة عشوائية، فى وقت تحارب فيه الدولة العشوائيات وتنقل سكانها إلى مناطق أكثر رقيا وتحضرا.. حدائق الأهرام تنتظر تحركا جادا وصادقا لانتشالها من مستقبل مجهول، ولا تنتظر من السادة المسئولين وعودا بلا تنفيذ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved