مطلوب كشف الأسباب والمسببين

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 10 فبراير 2021 - 6:55 م بتوقيت القاهرة

انعقد منذ بضعة أسابيع المؤتمر السنوى العالمى للاقتصاد فى منتجع دافوس الشهير فى سويسرا. وكالعادة ركزت وسائل الإعلام على خطابات كبار ساسة العالم الذين يكررون فى دافوس قول ما يسمع الإنسان من أقوالهم طيلة العام. وجل ما يهم غالبيتهم هو دغدغة مشاعر ومعتقدات شعوبهم وبلدانهم. والتهنئة لإعادة انتخابهم أو لبقائهم فى وظائفهم المريحة. من هنا تألق نجومية أمثال رئيسة وزراء ألمانيا ورئيس جمهورية الصين ورئيس إفريقيا الجنوبية ورئيس وزراء الهند والأمين العام لهيئة الأمم. ولعل الانشغال بجائحة كورونا هو الذى يفسر قلة غياب بعض السياسيين فى مؤتمر هذا العام.
وكالعادة أيضا اهتمت وسائل الإعلام بما يقوله الحاضرون من رؤساء المؤسسات الاقتصادية العالمية والخاصة، ومن مالكى ثروات البلايين فى هذا العالم، ومن الاستشاريين الاقتصاديين المرضى عنهم وأن نظرة خاصة على جدول الأعمال تظهر اهتماما بالمشكلات الكبرى المزمنة من مثل تدهور بيئة الأرض والبطالة ومسئوليات الشركات الخاصة الاجتماعية وقضايا وإمكانيات التطورات التكنولوجية الهائلة، كما تظهر اهتماما بالمشكلات المستجدة من مثل تأثيرات جائحة الكورونا على الاقتصاد العالمى أو الصعود المذهل لموضوع الأمراض العقلية كخطر وكأولوية مجابهة.
لكن الملاحظ أن غالبية الأطروحات والمناقشات تركز على تشخيص الأمراض وتقديم مقترحات حلول جزئية أو مؤقتة أو سطحية، دون أن تتعمق فى الأسباب الحقيقية والإشارة إلى المسببين الحقيقيين.
ولذلك سيسمع المهتم ويقرأ عن نواقص أوضاع الاقتصاد العولمى، وعن تحسين بيئة وإنجازات القطاع الخاص، وعن آثار التطورات التكنولوجية على الاقتصاد، وعن محاولات التعاون الدولى المحدود فى شئون التجارة الدولية.. إلخ من مواضيع مماثلة، وسيستمع إلى ويقرأ عما يشبه النصائح والترجيات لأرباب القطاع الخاص ليساهموا فى تقليل الفاقة والبؤس والبطالة التى يرزح تحتهم بلايين فقراء العالم.
لكن الفلسفة والمسلمات الخاطئة ومقررات الجامعات واستنتاجات مراكز البحوث التى تقف وراء ما يقود الأزمات الاقتصادية الدورية وإلى تلك المشكلات التى يبحثونها ويعلكونها سنويا ويستفرغونها كلاما منمقا وأمنيات ساذجة، فإنها لن تكون موجودة فى جدول الاجتماعات.
من هنا لا تبحث مسلمات ونواقص وادعاءات الفلسفة النيوليبرالية الرأسمالية العولمية المتوحشة، ولا تعتبر نتائج تركز الثروة فى أياد قليلة، بحيث يملك واحد فى المائة خمسين فى المائة من ثروة العالم، كقضايا أخلاقية وإنسانية وحقوقية، ولا يجرؤ من يتحدى قدسية المقولة بأن قانون السوق، قانون العرض والطلب والمضاربات المجنونة والتنافس التصارعى القاتل، هو وحده الذى يجب أن يحكم مسيرة الاقتصاد الوطنى والدولى.
والسبب واضح، إذ إن قسما كبيرا ممن يحضرون ويشخصون ويقترحون الحلول هم من المسببين ومن جانى الثمار أو ممن يخدمونهم كتابة ونشرا لفلسفة الاقتصاد العولمى الجديد وإدارة لكل مؤسساته المالية.
ومن المؤكد أنه لو تجرأت المؤسسة الداعية لمؤتمرات دافوس ووضعت على جدول الأعمال مواضيع تؤدى إلى إجراء تغييرات جذرية فى فلسفة وممارسات النظام الرأسمالى العولمى الجائر، وبالتالى التفتيش عن نظام اقتصادى أكثر عدلا وإنسانية وأخلاقية، فإن غالبية المواظبين على الحضور السنوى، من نوع السياسيين والأثرياء وحاشية الدعم والخدمة والتطبيل الذين يكتفون بمس السطح ويتجنبون المساس بالجذور.. فإن هؤلاء لن يحضروا بل وسيكيلون الاتهامات لمؤتمرات دافوس.
ما يثير الاستغراب هو إصرار الحضور على فصل الاقتصاد عن السياسة. فبالرغم من الحروب والصراعات وملايين الشعبوية العدائية والخلافات السياسية والإعلامية فيما بين دول القيادة والتأثير فى هذا العالم تصر روحية نقاشات دافوس على فصل الاقتصاد عن السياسة والاجتماع والثقافة والفلسفة لتجعل من نظام الاقتصاد العولمى النيوليبرالى السوقى (من السوق) صنما مقدسا لا فكاك منه. عبر سنين والعالم يتكلم عن ظاهرة دافوس المحيرة. لكن دافوس تظل فى صمت مطبق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved