ما الخطأ فى برامج الدردشة الآلية؟

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الجمعة 10 فبراير 2023 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتبين سيمون جونسون، ودارون أسيموجلو، تناولا فيه تحديات استخدام برنامج الدردشة الآلى ChatGPT، سواء بالنسبة للشركات أو العملاء. وكيف يمكن استخدام هذه التكنولوجيا كمكمل للإنسان بدلا من استبداله بها... نعرض من المقال ما يلى:
تُفيد تقارير صادرة حديثًا أن شركة مايكروسوفت سعيدة بإطلاق برنامج الدردشة الآلى المطلق بالذكاء الاصطناعى «ChatGPT« الذى طورته شركة «أوبن أى آى» الأمريكية، وهو برنامج ذكاء اصطناعى بلغة طبيعية قادر على إنشاء نص يُقرأ كما لو أن إنسان هو من كتبه. ومن خلال الاستفادة من سهولة الحصول على التمويل على مدار العقد الماضى، استثمرت الشركات وصناديق رأس المال الاستثمارى المليارات فى سباق تسلح الذكاء الاصطناعى، مما أسفر عن تقنية يمكن استخدامها الآن لتحل محل البشر فى مجموعة واسعة من المهام. قد تكون هذه كارثة ليس فقط بالنسبة للعمال، ولكن أيضًا بالنسبة للمستهلكين، بل وحتى المستثمرين.
إن المشكلة بالنسبة للعُمال واضحة: سيكون هناك عدد أقل من الوظائف التى تتطلب مهارات تواصل قوية، وبالتالى سوف تقل فرص العمل بأجور جيدة. سوف يحتفظ عمال النظافة والسائقون وبعض العمال اليدويين بوظائفهم، لكن يجب أن يتوقع العمال فى المجالات الأخرى فقدان وظائفهم فى أى وقت. يجب النظر إلى خدمة العملاء. بدلا من توظيف أشخاص للتفاعل مع العملاء، سوف تعتمد الشركات بشكل متزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعى المولدة مثل تطبيق «ChatGPT» لتهدئة الأشخاص المتصلين الغاضبين بكلمات ذكية ومطمئنة. إن تراجع معدل الوظائف للمبتدئين يعنى فرصًا أقل لبدء حياة مهنية ــ مما يؤدى إلى استمرار الاتجاه الذى أرسته التقنيات الرقمية السابقة.
قد يُواجه الأشخاص المستهلكون أيضًا تحديات مماثلة. قد تكون برامج الدردشة الآلية جيدة فى التعامل مع جميع الأسئلة الروتينية، ولكن ليست الأسئلة الروتينية هى التى تدفع الأشخاص عمومًا إلى الاتصال بخدمة العملاء. عندما تكون هناك مشكلة حقيقية ــ مثل توقف شركة طيران أو انفجار أنبوب فى الطابق السفلى لديك ــ فأنت تريد التحدث إلى محترف مؤهل جيدًا ومتعاطف يتمتع بالقدرة على حشد الموارد وتوفير الحلول فى الوقت المناسب. أنت لا تريد الانتظار لمدة ثمانى ساعات، لكنك لا تريد التحدث على الفور إلى روبوت محادثة بليغ ولكنه عديم الفائدة فى نهاية المطاف.
فى عالم مثالى، على سبيل المثال، سوف تظهر شركات جديدة تقدم خدمة أفضل للعملاء وتستولى على حصتها فى السوق. ولكن فى العالم الحقيقى، هناك العديد من الحواجز التى تجعل من الصعب على الشركات الجديدة التوسع بسرعة. قد نحب مخبزًا قريبا من المنزل أو ممثل شركة طيران ودودا أو طبيبا مُعينا، ولكن لنفكر فيما يلزم لإنشاء سلسلة متاجر بقالة جديدة أو شركة طيران جديدة أو مستشفى جديد. تتمتع الشركات القائمة بمزايا كبيرة، بما فى ذلك أشكال مهمة للقوة السوقية التى تسمح لها باختيار التقنيات المتاحة التى ينبغى لها اعتمادها واستخدامها كيفما تشاء.
والأهم من ذلك أن الشركات الجديدة التى تقدم منتجات وخدمات أفضل تتطلب عمومًا تقنيات جديدة، مثل الأدوات الرقمية التى يمكن أن تجعل العمال أكثر فاعلية وتساعد فى إنشاء خدمات مخصصة بشكل أفضل لعملاء الشركة. ومع ذلك، نظرًا لأن استثمارات الذكاء الاصطناعى تضع التشغيل الآلى فى المقام الأول، لم يتم إنشاء هذه الأنواع من الأدوات حتى الآن.
سوف يخسر المستثمرون فى الشركات المتداولة علنًا أيضًا فى عصر برامج الدردشة الآلية المطلقة. يمكن أن تعمل هذه الشركات على تحسين الخدمات التى تقدمها للأشخاص المستهلكين من خلال الاستثمار فى التكنولوجيات الجديدة لجعل القوى العاملة لديها أكثر إنتاجية وقدرة على أداء مهام جديدة، وكذا من خلال توفير قدر أكبر من التدريب لتحسين مهارات الموظفين. لكنها لا تفعل ذلك.
قد يعمل الذكاء الاصطناعى أيضًا على تضخيم الآثار الاجتماعية الضارة للأسهم الخاصة. وبالفعل، بات من الممكن تحقيق ثروات هائلة من خلال شراء الشركات، وتحميلها بالديون أثناء التحول إلى القطاع الخاص، ثم تقليص القوى العاملة لديها ــ كل ذلك مع دفع أرباح عالية للمالكين الجدد. واليوم، ستعمل برامج الدردشة الآلية وتقنيات الذكاء الاصطناعى الأخرى على تيسير الضغط على العمال قدر الإمكان من خلال مراقبة أماكن العمل، وظروف العمل الأكثر صرامة، وعقود ساعات العمل غير المُحددة، وما إلى ذلك.
• • •
منذ أكثر من قرن من الزمان، أحدث هنرى فورد ثورة فى إنتاج السيارات من خلال الاستثمار بكثافة فى الآلات الكهربائية الجديدة وتطوير خط إنتاج أكثر فعالية. صحيح أن هذه التقنيات الجديدة جلبت قدرًا من التشغيل الآلى بلا شك، حيث مكّنت مصادر الكهرباء المركزية الآلات من أداء المزيد من المهام بكفاءة أكبر. لكن إعادة تنظيم المصنع الذى صاحب عملية الكهربة خلق أيضًا مهامَّ جديدة للعمال والآلاف من فرص العمل الجديدة بأجور أعلى، الأمر الذى أدى إلى تعزيز الرخاء المشترك. لقد أثبت فورد أن إنشاء تكنولوجيا تكميلية للإنسان يُعد عملا جيدًا.
واليوم، يوفر الذكاء الاصطناعى الفرص للقيام بخطوات مماثلة. يمكن استخدام الأدوات الرقمية التى تعمل بالذكاء الاصطناعى لمساعدة الممرضين والمدرسين وممثلى خدمة العملاء فى فهم ما يتعاملون معه وما الذى قد يساعد فى تحسين النتائج للمرضى والطلاب والأشخاص المستهلكين. يمكن تسخير القوة التنبؤية للخوارزميات لمساعدة الناس بدلا من استبدالهم. إذا تم استخدام برامج الذكاء الاصطناعى لتقديم توصيات لمراعاة البشر، فسيتم الاعتراف بالقدرة على استخدام هذه التوصيات بحكمة باعتبارها مهارة بشرية قيّمة. من الممكن أن تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعى الأخرى على تيسير تخصيص العاملين على نحو أفضل للمهام، أو حتى إنشاء أسواق جديدة تمامًا.
من المؤسف أنه يتم إهمال هذه الفرص، لأن معظم قادة التكنولوجيا يستمرون فى الإنفاق بشكل كبير لتطوير البرمجيات القادرة على القيام بما يقوم به البشر بالفعل. إنهم يعلمون أنه يمكنهم جنى الأموال بسهولة من خلال بيع منتجاتهم للشركات التى طورت الرؤى الضيقة. يركز الجميع على الاستفادة من الذكاء الاصطناعى لخفض تكاليف العمالة، مع القليل من الاهتمام ليس فقط بتجربة العملاء المباشرة ولكن أيضًا بمستقبل القوة الشرائية.
لقد أدرك فورد أنه من غير المنطقى إنتاج سيارات بكميات كبيرة إذا لم يكن باستطاعة الأفراد تحمل شرائها. وعلى النقيض من ذلك، يستخدم عمالقة الشركات اليوم التقنيات الجديدة بطرق من شأنها تدمير مستقبلنا الجماعى.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved