سوريا أيضًا تنتظر التغيير


سلامة كيلة

آخر تحديث: الأحد 11 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

يبدو أن السلطة السورية قررت الحسم العسكرى، كما قررت تحقيق «الإصلاح» على طريقتها. لقد صاغت دستورا «جديدا» نجح بنسبة 89% من أصل 57% شاركوا فى الاستفتاء، كما قالت، رغم أن المشاهدات العيانية كانت تشير إلى مشاركة هزيلة. وإذا كان «الدستور الجديد» قد تنازل عن «الاشتراكية» لمصلحة قوى السوق، وثبّت النص الذى يشير إلى دين رئيس الدولة، وإلى أن الفقه الإسلامى هو مصدر رئيسى للتشريع، فقد أبقى على هيكلية الدولة، كما فى الدستور السابق، والقائمة على محورية وضع الرئيس، وتحكمه فى كل مفاصل السلطة. فرغم الإشارة إلى فصل السلطات سنجد بأنه فوق كل هذه السلطات والمقرر فيها أو الضامن لها. «التقدم» الوحيد تمثل فى إقرار «التعددية السياسية»، لكن وفق قانون للأحزاب يربط الموافقة بلجنة تابعة للسلطة التنفيذية.

 

بمعنى أن «الإصلاح» الذى أُنجز لم يحقق تغيّرا فى بنية الدولة، حيث الدستور والقوانين التى أُقرت (ومنها قانون الإعلام) لم تغيّر فى طبيعة السلطة كونها تتحكم فى كلية الوضع، بما فى ذلك من يكون معارضا. بالتالى يمكن القول بأن السلطة ظلت كما هى رغم سنة من الانتفاض الشعبى الذى يطالب بإسقاط النظام. ولهذا يتوضّح تماما مدى «التكلس» الذى يحكمها نتيجة مصالح الفئات التى باتت تتحكم فى الاقتصاد، وتمارس كل أنواع النهب.

 

لهذا سيبدو الميل لتحقيق الحسم العسكرى أمرا لا غنى عنه، من أجل تثبيت سلطة «جمهورية مطلقة» (هى اقرب إلى السلطة الأمبراطورية)، باتت فى خدمة «رجال الأعمال الجدد» الذين هم ذو صفة عائلية (مع حواشى)، وباتوا يسيطرون على ما يقرب من 60% من الاقتصاد السورى، ويعتقدون بأن هذا الشكل السلطوى الشمولى هو وحده الذى يكرّس سيطرتهم الاقتصادية، ونهبهم. وبالتالى بات واضحا بأن إزالتهم هى ضرورة من أجل تغيير طابع السلطة الاستبدادى الشمولى، وبناء دولة مدنية ديمقراطية.

 

فمنذ أكثر من شهر وحمص للتعرض للقصف فى ظل حصار شديد، خصوصا بابا عمرو الذى سقط أخيرا بعد أن شهد تدميرا واسعا، ومئات القتلى. وكذلك شمل «الهجوم» ريف دمشق ودرعا وإدلب والرستن ودير الزور، فى إطار استراتيجية عسكرية تهدف كما يظهر إلى تصفية كل «البؤر المسلحة» وإنهاء الانتفاضة. ومن الواضح بأن الروس والإيرانيين ليسوا بعيدين عن هذا الهجوم، من خلال المشاركة بأشكال مختلفة.

 

هل يفضى ذلك إلى هزيمة الثورة؟

 

●●●

 

إذا كانت قوة السلطة العسكرية قادرة على حسم الصراع مع المسلحين (الذين هم من العسكريين المنشقين، ومتطوعين) نتيجة الاختلال الكبير فى ميزان القوى، فإن قوة الانتفاضة نتجت عن طابعها الشعبى، الذى يتوضّح كل يوم أنه يتوسع، بينما تفقد السلطة كل قاعدتها. أولا نتيجة الشعور بأنها عاجزة عن الانتصار، فبعد سنة يظهر واضحا أنها فشلت فى إسكات الحراك، وفى وقف توسعه، ليشمل اليوم كل سورية. فحلب ودمشق دخلتا الصراع (وهما المدينتان اللتان كانتا تعتبران المثال للطابع «الشعبى» للسلطة)، الذى بدأ يمتد إلى قرى الساحل كذلك، التى كانت تعتبر أساس «القوة الصلبة» التى تعتمد السلطة عليها. ولهذا التحوّل آثار كبيرة على مآل الصراع.

 

وربما كان الهجوم العسكرى الشديد هو من أجل الحسم قبل تبلور نتائج هذا التحوّل الشعبى، لكن يمكن أن نلمس بأن وضع الدولة المالى بات صعبا للغاية نتيجة استنفاد السيولة التى فى تصرفها، بسبب ضخامة الأموال التى تنفق على الجيش والشبيحة، والصراع اليومى. وهو الأمر الذى فرض ضخ عملة بدون رصيد رفعت التضخم بسرعة شديدة، حيث فقدت الليرة السورية نصف قيمتها تقريبا. وهو الأمر الذى رفع الأسعار وأطاح بالقدرة الشرائية لكل كبيرة من المواطنين، فى ظل ركود اقتصادى نتج عن الصراع ذاته، ويكاد يودى بكل القطاعات الاقتصادية، وهو الوضع الذى جعل منطوق التجار والفئات الوسطى التى كانت مستفيدة من الوضع الاقتصادى الذى شكلته الرأسمالية الحاكمة، هو رحيل السلطة التى بات واضحا بأنها عاجزة عن الحسم.

 

●●●

 

السلطة بالتالى تحاول لملمة الوضع وهى تشارف على الانهيار، لكن فى وضع شعبى يندفع إلى «الحسم» كذلك. لكن ما يبدو ممكنا هو حدوث تحوّل فى السلطة ربما يفتح على تحقيق انفراج ديمقراطى. هذا يعنى إزاحة الجزء المتكلس من السلطة (وهو الجزء المسيطر الآن) ربما فى إطار «خيار مصرى/تونسى، أو حتى يمنى. هذا ما يبدو حتميا فى ظل وضع السلطة الآن، رغم «المعركة المصيرية» التى تخوضها فى حرب حقيقية ضد الشعب. وهو ما يفرض على القوى الإقليمية (إيران) والدولية (روسيا والصين) أن تتقبل أمرا واقعا لا فكاك منه. لكى تحافظ على مصالحها قبل أن تندفع الأمور فى سياق يُخرج سورية من «حلفها».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved