خمسة تحديات أمام المؤتمر الاقتصادى

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 10 مارس 2015 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة

ثلاثة أيام هى ما تبقى على انعقاد المؤتمر الاقتصادى الدولى بمدينة شرم الشيخ، والذى تعول الحكومة على أن يكون نقطة فارقة فى مسار الاقتصاد القومى ولحظة الانطلاق التى ينتظرها الشعب المصرى منذ فترة طويلة. التوقعات هائلة والناس تنتظر أن تتحسن أحوالها فور انفضاض المؤتمر ورحيل الضيوف، ومعهم الحق فى ذلك، لأن الخطاب الرسمى والإعلامى السائد رفع من التوقعات بشكل مبالغ فيه، واعتبر أن انعقاد المؤتمر هدف وليس مجرد وسيلة. وفى تقديرى أن هناك خمسة تحديات رئيسية تواجه الدولة فيما يتعلق بالمؤتمر والنتائج المتوقعة منه.

التحدى الأول هو التعامل بصدق وواقعية مع هذه التوقعات وتهدئة الحماس الإعلامى وخطاب بعض المسئولين الذى يدفع الناس للاعتقاد بأن مجرد انعقاد الموتمر وازدحام القاعات والحديث عن المشروعات والمليارات كفيل بتحسين معيشة المواطنين، وأن مشكلات الأسعار والبطالة وأنابيب الغاز سوف تجد طريقها للحل بين يومى الجمعة والأحد القادمين. الواقعية مطلوبة كى لا يصاب الشعب بالإحباط حينما ينتهى المؤتمر ويرحل الضيوف ولا تكون المشكلات قد رحلت معهم.

التحدى الثانى هو تحديد الغرض من المؤتمر وما يعتبر نجاحا له. وهنا يلزم الرجوع إلى نهاية عام ٢٠١٣ حينما بدأ التفكير فى عقد مؤتمر عالمى خلال العام التالى، يتزامن مع استكمال تنفيذ خارطة الطريق الدستورية، ويكون هدفه حشد الدعم من الدول والمنظمات المالية العالمية من أجل إعادة تأهيل وتجديد البنية التحتية والخدمات العامة. ولكن مع الوقت حدث تحول تدريجى من التركيز على تمويل البنية التحتية عن طريق منح وقروض ميسرة تقدمها الدول والمؤسسات الصديقة إلى الحديث عن جذب استثمارات خاصة والترويج لمشروعات تجارية. وقد حدث هذا التحول استجابة للإعلام المحلى الذى اعتبر أن عقد مؤتمر للمانحين لا يليق بمصر، وكذلك تلبية لرغبة دول الخليج العربى التى طلبت أن يتناول المؤتمر مشكلات وقضايا المستثمرين من القطاع الخاص وليس فقط التمويل الحكومى. وبغض النظر عن الأسباب، فإن التحول فى موضوع المؤتمر ليصبح لقاء استثماريا يمكن أن يحد من قدرة البلد على تمويل مشروعات البنية التحتية من خلال منح وقروض ميسرة على نحو ما كان مقدرا فى الأصل.

أما التحدى الثالث ــ وفى موضوع جذب الاستثمار ــ فهو ضرورة ألا يقتصر موضوع المؤتمر على عرض فرص استثمارية ومشروعات فى مختلف القطاعات الاقتصادية، بل أن تنتهز الحكومة المناسبة لكى تعلن عن سياستها الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل بشكل واضح، خصوصا فيما يتعلق بعجز الموازنة، والأسعار، وسوق الصرف، والنظام الضريبى، وأولويات الإنفاق العام، ومدى اتساع الدور الذى تلعبه الدولة فى النشاط الاقتصادى، وسياستها فى التعامل مع البطالة المتزايدة، وغير ذلك من عناصر السياسة الاقتصادية التى توضح للمستثمرين وللرأى العام المصرى التوجه الذى تسلكه الدولة والمنهج الذى تتبعه فى ادارة شئون البلاد. وفى تقديرى أن وضوح هذه الرسالة أهم بكثير من عرض المشروعات الاستثمارية لأن المستثمر المحترف لا ينتظر من الحكومة فى أى بلد أن تعرض عليه فرصا ومشروعات، عادة ما تكون لديه دراية واسعة بها، وإنما يأتى إلى هذه الموتمرات بحثا عن توجه اقتصادى وعن سياسات عامة تساعده على تقدير حجم المخاطرة والعائد بشكل واقعى.
والتحدى الرابع يتعلق بأهمية تحديد السياسة الاجتماعية للدولة، حتى من خلال مؤتمر يتوجه إلى كبار المستثمرين من القطاع الخاص. لقد نجحت مصر قبل ثورة يناير فى تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد القومى، فى زيادة معدلات النمو والتشغيل والاحتياطى النقدى، وفتح مجالات الاستثمار الأجنبى، ورفع التصنيف الائتمانى للاقتصاد. ولكن فى غياب سياسة اجتماعية واضحة وآليات تهدف إلى توزيع ثمار النمو بشكل عادل، زادت أيضا نسبة الفقر، وانهارت الخدمات العامة، واختل توزيع الدخل والفرص والموارد. ولذلك فقد ساد، فى أعقاب ثورة يناير مباشرة، خطاب سياسى واقتصادى شديد الانحياز للفقراء ولتحقيق العدالة الاجتماعية، من كل الأحزاب والقوى السياسية وفى كل استحقاق انتخابى برلمانى ورئاسى. ولكن مع الوقت بدأ هذا الحماس يفتر، والخطاب الاقتصادى يتجه مرة أخرى إلى الاعتماد على جذب الاستثمار الكبير وتقديم التسهيلات والضمانات التى تؤدى إلى رفع معدل النمو دون الالتفات إلى السياسات الاجتماعية التى يلزم ان تصاحبها لكى تتحقق العدالة الاجتماعية التى وُعد بها الشعب المصرى. حتى البرامج التى أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعى أخيرا والتطوير الذى قامت به وزارة التموين فى دعم المواد الغذائية تراجعت أهميتها فى الخطاب الحكومى وفى التغطية الإعلامية لأن الأولوية عادت مرة أخرى لتشجيع الاستثمار الكبير وللتعامل مع القضية الاجتماعية من منظور تقديم المسكنات والمعونات للفقراء وليس على أرضية حصول كل مواطن على حق معلوم له فى الثروة القومية وفى الموارد والخدمات والفرص. ومؤتمر شرم الشيخ، برغم أن جمهوره من كبار المستثمرين ومن الشركات العالمية، فإنه مناسبة ضرورية لتحديد مدى التزام الدولة بسياسة اجتماعية واضحة المعالم لأن الشعب المصرى كله شريك وطرف فى هذا الموتمر، ولو لم يكن حاضرا.

وأخيرا فإن التحدى الخامس والأخير يتعلق بمشروع قانون الاستثمار الذى يجرى الإعداد له من أشهر عديدة واختلفت بشأنه الآراء وصدرت منه عشرات المسودات من وزارتى الاستثمار والعدالة الانتقالية. فالمحصلة النهائية، وفقا للمنشور فى الصحف هذا الأسبوع، تدعو إلى التريث فى إصداره خصوصا لما يتضمنه من مواد وأحكام قد تفتح أبواب المحاباة فى تقديم الحوافز دون ضوابط واضحة، وتخصيص أراضى الاستثمار بعيدا عن قوانين حماية المال العام، وتمكين هيئة الاستثمار من فرض ولاية رقابية على مشروعات الاستثمار بما يتعارض مع صلاحيات الجهات الحكومية المختصة قطاعيا. القانون بحاجة لمزيد من الدراسة والتفكير ولا داعى لأن يصدر بشكل متعجل لمجرد انعقاد المؤتمر.

مع تمنياتى بنجاح المؤتمر فى تحقيق آمال وتطلعات الشعب المصرى والتقدير لكل من اجتهدوا لكى يخرج بشكل لائق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved