التنبوء

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الأحد 11 مارس 2018 - 12:24 ص بتوقيت القاهرة

عندما طُلب من العالم الطبيب أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي أن يختار موقعاً لبناء مستشفى في بغداد وضع قطع من اللحم في عدة أماكن وتنبأ أن المكان الذي تستغرق فيه قطعة اللحم أطول وقت كي تتعفن هو المكان المناسب لبناء المستشفى، يجب أن نتذكر أن كيفية إنتقال الأوبئة لم تكن معروفة بعد آنذاك ولكن الرازي لاحظ أنه لابد أن هناك أماكن أفضل للصحة من أماكن أخرى.

العالم المجري إجناز سملويس (Ignaz Semmelweis) وجد أن الحمى تقتل حوالي 13% من النساء اللاتي تولدن في مستشفاه بالمقارنة ب2% فقط في المستشفى القريب من مستشفاه، نحن في سنة 1847 ولاحظ إجناز أن الطلبة تذهب من غرفة التشريح لغرف الولادة دو غسل أيديهم وأصدر الأمر لهم بغسل أيديهم بسائل الكلورين وقلت كثيرة نسب الوفايات وكان بداية عصر إجراءات التطهير والتي لم تكن معروفة آنذاك حيث لم تكن آثار تلوث الجروح قد دُرست بعد بدقة.

العالم الفيزيائي الإنجليزي السير جوزيف جون تومسون (J. J. Thomson) تنبأ بوجود ما نسميه اليوم بالإلكترون ثم صمم تجارب لإثبات ذلك.

في سنة 1846 كان كوكب أورانوس قد أكمل دورة كاملة حول الشمس ولاحظ علماء الفلك آنذاك أن هذا الكوكب لم يسر في مدار يتفق مع قوانين نيوتن للحركة وتنبأوا أنه لابد أن يكون هناك كوكب آخر أكبر حجماً منه وأبعد مسافة قد آثر عليه وأخذوا يحاولون العثور على هذا الكوكب وقد عثر عليه عالمان: الفرنسي اوربان لو فيريه (Urbain Le Verrier) والإنجليزي جون كوش أدمز (John Couch Adams) ونطلق على هذا الكوكب اليوم إسم نبتون.

ما الذي يجمع كل هذه الروايات والكثير مثلها؟

إنه القدرة على التنبوء العلمي وما يستتبعه ذلك من إكتشافات، فالعلم يدور في دائرة من التنبوء ثم تصميم تجارب للتيقن من النبوءة ثم ملاحظة نتائج التجربة ثم تعديل النبوءة إذا لزم الأمر ثم إجراء تجربة أخرى وهكذا.

أصبحنا اليوم في عصر التنبوء حيث يمكن التنبوء بظاهرة ما أو إكتشاف ما إما عن طريق التفكير المحض وهو ما يطلق عليه لفظة التجربة الفكرية (thought experiment) مثلما حدث مع أينشتاين في النسبية كخطوة أولى قبل أن يغوص في المعادلات الرياضية المعقدة أو عن طريق المحاكاة (simulations) على الكمبيوتر وأصبحت أجهزة الكمبيوتر قادرة على محاكاة الكثير من الظواهر بدقة وكلما تطورت قوة أجهزة الكمبيوتر تطورت قدرته على المحاكاة وهذه المحاكاة قد تتنبأ بظاهرة ما مثل الإحتباس الحراري أو تطور مرض ما أو تأثير عقار ما على تطورمرض معين أو قدرات أسلحة معينة ولهذا أطلقنا على سباق الدول الصناعية الكبيرى لإنتاج أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة الحرب الباردة الجديدة تخيل إذا وصلت الصين إلى جهاز كمبيوتر يفوق بكثير (ألف مرة مثلاً) مثيله في أمريكا وساعدها ذلك على إيجاد عقار لعلاج السرطان أو تطوير سلاح جديد ماذا سيكون مكسبها المادي؟ والمعنوي أيضاً؟

إن هذا التنبوء ليس في العلم فقط ولكن يستخدم في عمليات البيع والشراء وتحدد به الشركات مثلاً مواصفات منتج معين يمكنه المنافسة في السوق (لاحظ أن الشركة يجب أن تتنبأ بماذا بمزايا المنتجات المنافسة وقت عرضها هي لمنتجها في المستقبل) أو متى تعرض شركة معينة منتج معين بحيث تحقق أعلى المبيعات، عندما يعرض عليك الفيسبوك أسماء أشخاص لتضمهم لقائمة الأصدقاء ألا يعد ذلك تنبوء؟

لا يفوتنا في معرض حديثنا عن التنبوء العلمي التحدث عن ظاهرة الإحتباس الحراري (global warming) لأنها توضح أفض وأسوأ ما قد يحدث في حالات التنبوء العلمي، أفضل ما يحدث هو التنبوء بظاهرة ما وتأثيرها السيئ في المستقبل والاستعداد لها عن طريق استخدام أفضل للطاقة النظيفة ... إلخ، أما أسوأ ما قد يحدث هو تسييس هذه الظاهرة من قبل الحكومات ومنظمات البيئة وشركات البترول حيث تأخذ كل واحدة ما يفيدها من النبوءة وتبني عليه وهذا يقود إلى معارك كثيرة لسنا هنا في موضع الحديث عنها.

هل نستطيع استغلال هذه التكنولوجيا (التنبوء العلمي بمختلف طرقه) عندنا في مصر؟ نعم نستطيع
لنعطي أمثلة:

يمكن محاكاة مرورالسيارات في الطرق والتنبوء بأشياء مثل هل تغيير إتجاه شارع ما يمكن أن يخفف إختناق مروري معين؟ أو التنبوء بهل إنشاء مركز خدمي معين في مكان ما قد يخفف الضغط عن أماكن أخرى؟ هذا طبعاً بالإضافة إلى استخدام هذه التقنيات في البحث العلمي في جامعاتنا ومراكزنا البحثية خاصة استخدام التجارب العقلية في العلوم النظرية... والكثير من الاستخدامات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved