الحركة النسائية التونسية والنقد الذاتى

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأحد 10 مارس 2019 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى وجاء فيه:

دأبنا كل 8 مارس على «استهلاك» قصائد الثناء ومتابعة الندوات التى تُمنح فيها الكلمة للمرأة والبرامج المخصصة للاستماع إلى أصوات نسائية. ولكن هذا الحرص المناسباتى لأغلب الإعلاميين والإعلاميات والناشطين فى المجتمع المدنى على تشريك النساء، معبر عن حرج لا مراء فيه. فمحاولة نفى تهمة الإقصاء عن الإعلام وعن بعض الأحزاب والجمعيات، من جهة، وإثبات البعد «الإدماجى التشاركى» من جهة أخرى، تظل مفضوحة إذ لا تخرج كل البرامج «الاحتفائية المناسباتية» عن تصور يرى أصحابه أن تخصيص يوم فى السنة للاستماع إلى «الثرثرة» النسائية كافٍ، ومن ثمة تُقدم منابر نسائية ويُمنح المصدح للنساء.. وهى ممارسات تتماهى مع برامج تريد أن تسجن النساء فى اهتمامات محددة: فقه النساء، وجمالك، وسيدتى، والطبخ... وغيرها. فهل هذا التوجه معبر عن سقف طموحات التونسيات وتوقعاتهن؟
لا يُوجه النقد لأصحاب القنوات والمنتجين وأصحاب القرار فى مختلف مكونات المجتمع المدنى فحسب بل آن الأوان فى اعتقادنا، أن نضع الحركة النسائية وأداء النسويات تحت المجهر. فما دمنا نعيب على الأحزاب عزوفها عن القيام بالمراجعات وبقاءها أسيرة الأيديولوجيات والسرديات الكبرى فإنه يجدر بالفاعلات فى المجال العام والمجال الأكاديمى أن يكن المبادرات وأن تمارس فئة منهن قليلا من النقد الذاتى «تصحيحا» للمسار أو تأملا فى المفارقات والأخطاء علنا نعتبر ونطور تدبيرنا للنضال.. فآلية المحاسبة لا تخص العمل السياسى وحده بل هى نموذج جديد فى الفعل النسائى.
اعتدنا الحديث عن إنجازاتنا وتاريخ نضالنا وتعداد صور تميزنا، وقلما اعترفنا بـ «إخفاقاتنا» وكأن تمركزنا على ذواتنا لا يسمح لنا برؤية التقصير والتناقضات و.. فأسطرة المرأة التونسية وتموقعها فى دائرة «الاستثناء» جعلاها عاجزة فى أغلب الأحوال، عن فتح «الصندوق الأسود» والجهر بما يقال فى الكواليس ولا يخرج للعموم. فما تهمس به البعض هو استشراء الممارسات الدالة على طغيان الهيمنة فى صفوف النساء وكأن نقد الهيمنة الذكورية أفضى على مر السنوات، إلى استبطان استراتيجياتها. وهى هيمنة تتجلى فى مستوى الجمعيات العريقة التى تسعى إلى احتكار تمثيل الحراك النسائى والسيطرة على الجمعيات الحديثة النشأة، وكذلك فى مستوى بعض الشخصيات الرائدة التى تهيمن على الإنتاج البحثى فلا تعترف إلا بحضور الجيل المؤسس وكتاباته.. أفلم يحن الوقت لتفكيك الهيمنة النسائية واعتبارها هى أيضا جديرة بالدراسة؟
نحلل أشكال التمييز والإقصاء والاستبعاد فننسبها للآخر الذكورى فنفضح مظاهر التحيز، واستراتيجيات العزل والعنف المسلط على النساء، وقلما تجرأنا على تفكيك تجليات إقصاء النساء للنساء فى مجال المعرفة والعمل، ونزوع بعضهن إلى ممارسة العنف الرمزى تماهيا مع الأيديولوجيا الذكورية. فكم من ندوة وكم من مشروع وكم من مؤتمر كان معيار تشريك النساء فيه قائما لا على الكفاءة والاختصاص بل على «التآزر النخبوى». فأن تكونى من «الداخل» يفتح أمامك السبل للبروز ولكن متى كنت من «خارج» الدائرة المقربة حكم عليك بالعزل. وما دمنا نعيب على حزب النهضة العمل وفق قواعد «التنظيم» فمن باب أولى أن نقاطع الممارسات التى تؤبدنا فى دائرة «التنظيم المغلق».
نتبنى قضايا العدالة الاجتماعية ونزعم أننا وهبنا حياتنا لمقاومة كل أشكال التمييز ولكن مع ذلك لا تتوانى بعض رفيقاتنا عن التعبير عن استغرابهن من لباس هذه، وطريقة كلام الأخرى، فيتم التصنيف والفرز وفق الطبقة والسن والانتماء الجغرافى والأيديولوجيا... من قال إن «الحقرة» قد انتفت فبعض من ممارسات «البلديات» وبنات العائلات الكبرى تشير إلى عسر التخلص من الموروث الثقافى الذى تتناولنه بالتحليل فى خطاباتهن، وتلك مفارقة عجيبة.
نحارب حركات الاستعمار والاستشراق الجديد ونفتخر بحسنا الوطنى ونتخذ من علمنا وشاحا يُصاحبنا فى احتجاجاتنا ومع ذلك تُجسد بعض رفيقاتنا «العقلية البيضاء» فتساهمن فى بنائها اجتماعيا وثقافيا. فللفرنكوفونيات المجد ولغيرهن النسيان، وللعلمانيات آليات الفهم ولغيرهن سوء الفهم، وسوء الإدراك... أفما آن الوقت للتحرر من عقدة البياض ومن تبعاتها؟
نفند مزاعم الذين يسيجوننا فى دائرة الاختلاف البيولوجى فنبين تهافت البنيان ولكننا نتغاضى عن عسر تقبلنا لاختلاف بعضهن عنا موقفا وآراء وتصورات ومرجعيات.. نريد منهن أن يشبهننا أن يقبلن تعاملنا معهن على النحو الذى نريد وأن يسقن كالقطيع. ويتعين فى نظرنا، على من قاومن التنميط ونسق التمثيل الأحادى أن يعزفن عن تكريس الامتثالية والتنميط القسرى.
ستقول أغلبهن: هذا عيد بطعم الحنظل وسيناصبننا العداء ولكننا نعتقد أنه حرى بمن أنجزن تحولات ثورية فى التشريعات أن يلتفتن إلى المراجعات والنقد الذاتى إذ لا بد من تفكيك أطروحات الحركة النسائية التونسية، وإجراء مناقشات عقلانية عميقة حول أداء الأجيال المختلفة من النسويات، وبنية العلاقات التسلطية، ورهانات الإقصاء وعسر إدماج التنوع والتعددية فى الحركة النسائية التونسية..
وكل عام وأنتن جريئات على مواجهة الذات بعيدا عن مساحيق التجميل وأساليب المجاملات وممارسات النفاق.

المغرب ــ تونس

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved