كورونا ثقافية

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 10 مارس 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

العالم فى حالة هلع نتيجة انتشار فيروس «كورونا». تعلق الرحلات، وتغلق الأنشطة الثقافية، ويضيق على التجمعات اتقاء لانتشار الفيروس الفتاك. وأيا كان الرأى من مدى خطورته، والبعض هون كثيرا منه، أطباء وغير أطباء مثل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فإن هناك فيروسات كورونا أخرى لا تقل فتكا من الفيروس المحير للعالم الآن، نجدها منتشرة فى الحياة الثقافية، وتؤدى إلى اضعاف مناعة المجتمعات، وقتل المواهب، وحصار الثقافة المدنية، ولا يصادف انتشارها هلعا، ولا تتخذ إجراءات حاسمة لمواجهتها. خذ مثالا على ذلك فيروس «كورونا ثقافية»، الذى له تداعيات كثيرة تتمثل فى أولا: ضعف مناعة المجتمع من خلال عدم التجديد الفكرى، وحصار الأجيال الشابة، وهيمنة جيل الشيوخ على المشهد العام، واستئثار المدن بالإنتاج الثقافى وحرمان الأقاليم منه، وهو ما يولد الشعور بالإحباط والتهميش والغبن. ثانيا: انتشار الأفكار الرجعية باختلاف صورها سواء كانت تعبر عن تطرف دينى، أو استعلاء ذكورى، أو تمييز اجتماعى، أو فرز دينى، أو استبداد، وتزييف التاريخ حسب الأهواء، جملة من الأفكار السلبية الكفيلة بتقويض بنية المجتمعات، تنتشر دون توقف، أو برنامج مشدد لحصارها. ثالثا: تفشى ألوان من الفن الهابط باختلاف مستوياته، وتسويقه، وتبريره، والدفاع عنه، أو على الأقل عدم مواجهته، والتماس المسوغات له سواء بدعوى أنه يعبر عن أذواق أجيال شابة أو أنه تعبير عن مجتمع متغير، ويجرى استعارة قصدية لتغيرات تجرى على صعيد الفنون فى مجتمعات أخرى لتبرير التدنى فى الذوق الفنى. والغريب أن كل الذى يرفضون الفن الهابط، لا يتطرقون إلى المسألة الأساسية لماذا لا يجد الفن الجاد مساحة الانتشار التى يستحقها فى المجتمع؟ رابعا: الانقطاع عن العالم الخارجى فى الثقافة الإنسانية، التى تثرى العقل والخيال، وتوفر النماذج والأمثلة والدروس المستفادة من خبرات ثقافات ومجتمعات أخرى، وهو ما يجعل «فيروس التخلف» يرعى فى جسد المجتمع، طالما لا يجد من يحد من حركته، ويعمل على القضاء عليه. اللافت، نحن نتابع العالم الذى يئن من «فيروس كورونا»، من حيث الانتشار المريع، الوفيات، الهلع، وهى فى قلب الأحداث الجارية والانباء العاجلة، ولكن لا نتابع العالم فى ابداعه الثقافى والفنى، لا نقتبس منه، ولا نعرف عنه شيئا.
فى تقديرى أن «كورونا» الثقافية بحاجة إلى مواجهة طالما أردنا تقدم المجتمع، نحاصرها، ونقضى عليها، ونسمح فى الوقت ذاته بانتشار جميع أدوات التحصن منها، وهى الثقافة والإعلام والتعليم، لأن حصار الأمراض الثقافية يتطلب إجراءات حاسمة مثل منع تداول الأفكار الهدامة، حصارها، والحيلولة دون انتشارها، وعزل من يرددها. للأسف نحن فى أوقات كثيرة لا ندرك خطورة الفيروسات الثقافية التى تلوث العقل مثلما نولى اهتماما للفيروسات التى تصيب جسم الإنسان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved