نافذة على الجنة

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 10 مارس 2023 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

هذا هو الفيلم الوحيد الذى استندت فكرته الرئيسية على مقوله لأحد الفلاسفة المسلمين وهو أبو حامد الغزالى الذى ذكر أن هناك نافذة على الجنة يطل عليها البشر الذين احترموا حقوقهم فى الحياة والتزموا بالفضيلة والحرص عليها وعدم إدمان شرب الخمور، لذلك حسبما قال المؤلف مجدى «محسن سرحان» إلى الفتاة بريئة الوجة تماما سميحة «مريم فخر الدين»، حيث إن الفيلم عبارة عن مجموعة من اللقاءات الحوارية بين الطرفين. مجدى هذا رجل عصرى يعرف الكثير من البنات لكنه يرى فى سميحة الجانب الملائكى الذى يقود صاحبته إلى الفردوس ويحدثها أن شرفها العفيف أنشودة مطلوبة بالنسبة له كرجل شرقى يشترط فى علاقته الزوجية ألا يكون شخص آخر قد مسها، أو على الأقل موطن العفة منها، ولأن مريم فخر الدين فى تلك السنة 1953 كانت ترمز إلى البراءة الشديدة فإنها كانت امرأة حزينة تلتقيه غالبا فى حديقة النادى الاجتماعى أو فى مكان عام يطل على النيل وتنصحه دوما أن يكف عن تعاطى الخمور، ولم يكن يدور بباله قط أن هناك سرا غامض تكتمه يتعلق بشرفها وأن تلك الطفلة الصغيرة التى بصحبتها دوما هى ثمرة اغتصاب من رجل تحرش بها قبل سنوات واحتفظت وحدها بالسر رغم ذلك المجتمع الشرقى المتزمت الذى لا يكتم أبدا مثل هذا النوع من الأخبار التى هى موضع حديث الآخرين.
جسد دور مجدى الممثل محسن سرحان الذى تنوعت أدواره بشكل ملحوظ وكان أحد أبطال تلك الفترة الزمنية ولكنه هنا رجل عاشق يسعى من الزواج من حبيبته والغريب أنه انقلب على أفكاره فى نهاية الفيلم الذى كتبه محمد كامل حسن المحامى بعد أن اقتنع تماما بأن سميحة امرأة طاهرة سواء تم اغتصابها وكتمت أسرارها علما بأنه ــ أى مجدى ـ هو الوحيد الذى يعلم سرها، فجميع صديقات سميحة لا يعلمن بحقيقة الطفلة ولكن تبقى هناك علاقة زواج شرعية فى حياة ذلك المحامى الذى توقف تماما عن شرب الخمر وفى حياة سميحة التى بدأت تعانى من ظهور الرجل الذى اغتصبها بعد اختفائه بسنوات وطلب منها الزواج إلا أنه يعود مرة أخرى للاختفاء بالموت ليكون هذا الظهور القصير تنبيها لمجدى بأن يغير أفكاره ويصبح متشددا جدا فى الدفاع عن الوضع الجديد ويبتلع ما حدث بكل فلسفة التى كان يرددها عن الغزالى.
والغريب أن مجدى قد طلب من بائع البراويز تدبير مجموعة منها مكتوب على كل منها آيات ونصوص دينية تتفق مع حالته الفكرية.. وعندما أتى له صانع البروايز بعدد منها ليختار من بينها يقع بصره على واحد فقط يتناسب مع ما حدث له ولحبيبته، وقد ألغى ذلك جميع النصوص الأخرى رغم قدسيتها.. ولذلك فهو عمل يجب مراجعته لأن أحدا لم يلتفت إليه، وقد يبدو أن الفيلم مر صامتا.
الفيلم من إخراج أحمد ضياء الدين، ويكشف عن فكر المؤلف صاحب العديد من الروايات التى كان أغلب أبطالها رجالا مصريين من الخمسينينات يتسمون بالصلف خاصة فى أفكارهم نحو النساء ومنهم بطل فيلم «هذا هو الحب» إخراج صلاح أبو سيف الذى طلق عروسه لمجرد أن سمع شخصا يردد فى شهر العسل أنه كان صديقا لأخيها، وأيضا بطل فيلم «أقوى من الحب» لعز الدين ذو الفقار الذى كان أقرب إلى «شيخ» ينتقل بين زوجته الناجحة وحبيبته الفنانة التى تشجعه فيختار دون أن تكون له قدرة على أى اختيار، كما أن هناك رجالا بنفس السمة فى أفلام منها «هل أقتل زوجى»، «من غير ميعاد» «السابحة فى النار»، و«أقوى من الحياة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved