دفاعاً عن الدولة وليس البهائيين

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الجمعة 10 أبريل 2009 - 5:51 م بتوقيت القاهرة

 هناك فارق جوهرى بين أن تعترف الدولة بالبهائية، وتقرر حق البهائيين فى تدوين معتقدهم الدينى فى بطاقات الهوية، وبناء محافل لهم، وبين أن يهب الأفراد للاعتداء على البهائيين فى قرية الشورانية بمركز المراغة فى سوهاج.

فى الحالة الأولى هناك ما يعرف بالنظام العام فى الدولة، يعبر عن نفسه فى ثقافة سائدة، وقانون، ومؤسسات عامة. أما فى الحالة الثانية فهى اختيارات عنيفة من جانب أفراد. والسؤال هو كيف تلبّس المواطنون العاديون هذه الحالة من العداء، التى دفعتهم إلى ذلك الهجوم الكاسح على منازل مواطنين مصريين؟

(1)
يعرف المجتمع المصرى مشهدا اجتماعيا شديد التناقض. فمن ناحية يستمر قطاع عريض من المصريين انتهاك القانون كل لحظة فى صورة التهرب الضريبى، وكسر قواعد المرور، والفساد بجميع أشكاله. عندما نسمع وزير التنمية الإدارية ــ ولا أقول المعارضين ــ يتحدث عن الفساد فى الجهاز الإدارى يخيل لنا أننا نعوم فى بحر من الفساد، ترتفع أمواجه، وتعلو إلى حدود غير مسبوقة.

ورغم هذه الحالة، فإن السنوات الأخيرة شهدت ــ من ناحية أخرى ــ حالات لجأ فيها المصريون إلى العنف المجتمعى تحت لافتة «احترام القانون»، صراحة أو ضمنا. فى بعض الأحداث الطائفية، كما حدث فى العديسات فى الأقصر شهدت عنفا جماعيا فى مواجهة الأقباط بدعوى أنهم يفتتحون كنيسة بدون ترخيص.

بالطبع لا يجب أن يبنى الأقباط كنائس دون ترخيص، ولكن إذا أخطأوا السبيل، أو لجأوا إلى التحايل فى مواجهة إجراءات إدارية معقدة، فإن تصحيح الوضع يكون مسئولية الدولة، ومؤسساتها، وليس مسئولية الأفراد العاديين أيا كانوا.

فما الذى يجعل الأفراد يهبون لتصحيح وضع انتصارا للقانون، فى حين أنهم ينتهكون القانون كل لحظة فى مناح متعددة من الحياة؟ الإجابة هى «التعصب» الذى وصل إلى قاع المجتمع، بحيث صار مكونا رئيسيا من مكونات الثقافة الشعبية، يظهر فى مظاهر متنوعة من الضيق من كل ما هو مختلف، إلى الحد الذى يصل إلى استخدام العنف العشوائى. وفى كل مرة كان أنصار الدولة المدنية يطالبون فيها بالتطبيق الصارم للقانون، ولكن تسوية النزاعات كانت تحدث من خلال مجالس عرفية، أى على حساب دولة القانون ذاتها.

(2)
الأفراد الذين يعيشون فى قرية واحدة فى أعماق سوهاج، عبروا عن ضيقهم بوجود بهائيين وسطهم، فقرروا الهجوم عليهم. حسب المنشور من معلومات فإن خمسة منازل لبهائيين استهدفت، واشتبك الأهالى مع قوات الأمن حين ذهبت لتنفيذ قرارات النيابة العامة باستدعاء بعض الأفراد للتحقيق معهم فى الحادث، وهتف الطلبة والطالبات فى بعض المدارس «لا إله إلا الله... البهائيين أعداء الله».

ونسب لمواطن عادى تصريح نشر بـ«الشروق» يوم 5 أبريل الماضى يصف وجود البهائيين بأنه «تخريب متعمد للأديان، وإجبار المصريين على قبول الشذوذ الدينى الغريب». أى أن الأفراد الذين هبوا للاعتداء على البهائيين، لا يستهدفون البهائيين صونا للقانون الذى لا يعترف بهم فقط، ولكن يستهدفون أبعد من ذلك، أى حماية الاعتقاد فى الأديان السماوية من تساهل الدولة إزاء «المؤامرات التى تدبر فى الخارج بدعاوى كذب وافتراءات غير حقيقية» على حد تعبير أحد سكان قرية الشورانية. فى هذه الحالة نحن إزاء تحول نوعى فى التعامل مع الأحداث، من حالة يلجأ فيها الأفراد إلى عنف جماعى لحماية «القانون» من وجهة نظرهم، إلى حالة أخرى يستخدم فيها الأفراد العنف حماية لمعتقداتهم تجاه افتراءات الداخل، ومؤامرات الخارج، وتساهل الدولة.

(3)
ما يقلق فيما جرى هو لجوء قطاعات من المواطنين إلى عنف جماعى ضد شركاء لهم فى المواطنة، وإن اختلفوا فى المعتقد الدينى. إن قضية «البهائيين» هى شأن يخص العلاقة بين البهائيين والدولة، تخضع لما يعرف بقواعد النظام العام، فالاعتراف بالمعتقدات الدينية غير المتعارف عليها فى المجتمع يحتاج إلى وقت، وجهد، ومثابرة، ونقاش طويل حتى تدخل الجسد السياسى والقانونى للدولة.

وهو أمر شائع فى دول أخرى. فمسألة الاعتراف بالمسلمين فى الدول الأوروبية على مدار الخمسين عاما الماضية شهدت طفرات تدريجية، حتى استوعب العقل التشريعى والسياسى الأوروبى أن هناك مواطنا أوروبيا مختلفا فى الدين، ولا يزال المشوار طويلا. ولكن هذا هو شأن الدولة، وليس شأن الأفراد، مهما بلغت سلطاتهم ومواقعهم. هذه هى الدولة، التى لا نريد أن تتأثر هيبتها، ومكانتها، وسلطتها على مواطنيها من جراء إقدام الأفراد على استهداف أصحاب المعتقدات المغايرة، على خلفية أن هذه المعتقدات لم تحظ إلى الآن باعتراف قانونى.

هذه عشوائية خطرة على الدولة ذاتها، ربما أكثر من خطورتها على البهائيين أنفسهم. فلا يجب ترك العوام يحددون مساحة التعددية الدينية فى المجتمع بمعزل عن دولة القانون، والمؤسسات الدستورية. من هنا فإن تطبيق القانون بحزم وصرامة هو الحل ليس دفاعا عن البهائيين، أكرر ولكن دفاعا عن كيان الدولة ذاته.

(4)
شىء مؤسف أن تصل حالة التسامح الدينى فى المجتمع إلى هذا الانخفاض. فى مجتمع أصدر فيه يوما شخص كتابا بعنوان «لماذا أنا ملحد؟»، واحتضن «مقابر الملحدين» كما هو الحال بالإسكندرية، يأتى بعض الأفراد فى الألفية الثالثة يستهدفون مواطنين بسبب هويتهم الثقافية. إذا سمح المجتمع بذلك فقد نصل إلى مرحلة من مراحل «تكفير الذات»، أى نتخلص من المختلف دينيا أولا، ثم المختلف مذهبيا ثانيا، ثم الذات المتجانسة ثالثا.

ولا يمكن فصل ما فعله بعض من أهالى الشورانية ضد مواطنيهم من البهائيين عن سياق عام جرى فيه خلق صور ذهنية خاطئة عن البهائيين. وتحت يدى تصريحات لمسئولين حكوميين، مدنيين ودينيين، رموا البهائيين بأشنع الأوصاف، وأقسى النعوت، من الكفر والزندقة إلى العمالة لإسرائيل، فضلا عن قيام بعض الأقلام بالقدح فى البهائيين، معتقدا وأشخاصا، إلى حد المطالبة بإعدامهم فى ميدان عام، أو تطبيق قانون العقوبات عليهم بتهمة ازدراء الأديان.

ما الحل؟ هذه هى مسئولية الدولة ــ فى المقام الأول ــ فى انتهاج سياسات تعزز التسامح، والتنوع الدينى، واحترام الاختلاف، وفى حماية أرواح وممتلكات المواطنين المختلفين فى الدين أو المعتقد وإلا فما الداعى لوضع «المواطنة» فى صدارة الدستور؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved