الأمل واليأس فى السياسة.. الحالة العربية

فيس بوك
فيس بوك

آخر تحديث: الأربعاء 10 أبريل 2019 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

نشر الكاتب الأردنى « لبيب قمحاوى» مقالا على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» يتناول فيه الحياة السياسية فى العالم العربى والتحديات التى تواجهها الحكومات والشعوب.

إذا كان هنالك من يعتقد بأن معجزة ما سوف تهبط من السماء وتغير المسار السلبى للأحداث فى وطننا العربى فهو واهم؛ لأن عصر المعجزات قد انتهى، ولا يوجد أى مخرج من هذه الأزمات سوى توافر الإرادة والعمل الجاد والرؤية الواضحة ضمن حالة من التكاتف الوطنى والقومى.

لا يريد أحد أن يفتح الباب لمزيد من التشاؤم لأن الحياة بلا أمل هى أقرب ما تكون إلى الجحيم. ولكن، وفى الوقت نفسه، لا يريد أحد أن نبنى آمالا وقصورا فى الهواء لأن هذا بالضبط ما يفعله كل نظام حكم عربى لشعبه. إن الأوهام والآمال العريضة الجوفاء هى وراء معظم الصدمات التى تعانى منها الشعوب. والتغيير كان دائما شكليا ولا يصب فى الجوهر. فكلما جاءت حكومة جديدة مثلا لفظها الشعب باعتبارها خارج نطاق المطلوب واستمرارا للمسيرة السابقة. وكلما جاءت حكومة لعنت ما قبلها باعتبارها المسئولة عن ما يعانيه الشعب من مآسٍ. كل هذا والحاكم القاهر المستبد باقيا فى مكانه دون تغيير. فمقاليد السلطة والولاية التنفيذية حتى ولو كانت معقودة نظريا ودستوريا للحكومة، إلا أن مقاليد الحكم الفعلية تبقى بيد جهة أخرى وهى قصر الحاكم. والحكومات العربية بذلك أصبحت نظريا تملك السلطة ولكنها لا تملك أن تحكم فعلا بموجب تلك السلطة، الأمر الذى يفسر الكثير مما نحن فيه من تخبط وآمال مفقودة وحكومات لا تملك من أمرها شيئا، وحكام متوحشين فى فرديتهم وأنانيتهم واستبدادهم.

استعادة الشعب لولايته المفقودة وإن كان أمرا ملحا إلا أنه يزداد صعوبة بحكم استفحال سطوة الأمر الواقع من جهة، وارتقاء العديد من المسئولين للمناصب الحساسة ومنها رئاسة الحكومة والوزارة وهم لا يملكون من الشخصية السياسية والقاعدة الشعبية والالتزام الأمين بأحكام الدستور ما يؤهلهم للتصدى لمسئولية العمل على استعادة الولاية العامة للشعب من خلال نظام حكم ديمقراطى منتخب، وإعادة تفعيل النصوص الدستورية خصوصا تلك المتعلقة بالولاية وبالفصل بين السلطات التى يحرص كل حاكم مستبد على جمعها فى شخصه الكريم.

***
ما العمل فى ظل هذا الخراب المستفحل فى مؤسسات الدولة؟ ربما يراهن بعض المسئولين إما على خضوع المواطن لواقع الحال، أو على مللْ المواطنين من تكرار الحديث عن الفساد الكبير السياسى والمالى واستعمال ذلك الشعور بالملل كوسيلة لوقف الحديث عن ذلك الفساد واعتباره وكأنه غير موجود أو كأن التصدى له وعلاجه قد تم فعلا، أو أنه قد استفحل إلى حد استحالة العلاج بالوسائل السلمية.

إن القدرة على تولى المنصب وتركه عندما يحين الأوان دون محاولة للتجديد من خلال تعديل القانون أو الدستور أو التلاعب بالأنظمة هو المحك الحقيقى لديمقراطية المسئول وأمانته الوطنية. ولكن يبقى السؤال فيما إذا كان هنالك أى أمل فى إحداث تغيير سلمى حقيقى فى نهج الحكم وفى إعادة الحياة لدولة القانون والتعددية السياسية فى العالم العربى؟

الأمر لم يقف عند حدود الحكام والأنظمة، إذ تعانى الحركة الوطنية والقومية أمراضا أقرب ما تكون إلى الأمراض التى تعانى منها الأنظمة المستبدة نفسها. فرؤساء أو أمناء الأحزاب خصوصا العقائدية منها، يريدون الاحتفاظ بمناصبهم إلى الأبد حتى لو كانت رعيتهم بالعشرات أو المئات القليلة. والأوصياء على العمل الوطنى أو القومى يريدون الاحتفاظ إما بمناصبهم أو بنفوذهم حتى ولو بلغ الوصى من العمر عتيا، وكأنه يريد أن يأخذ ما تبقى من مؤسسات العمل الوطنى أو القومى معه إلى القبر. الخلط بين العام والخاص أصبح بحكم تفشى الاستبداد شيئا واحدا. واختلطت الأوضاع بذلك على صاحب الأمر كل فى موقعه والذى أخذ يتعامل مع المال العام أو القضايا العامة وكأنها مال شخصي أو قضايا شخصية، تماما مثل أنظمة الاستبداد والفساد. وما تعانى منه تلك الأنظمة من أمراض أصبحت أقرب ما تكون إلى مسار عام يسعى الكثيرون إلى تقليده والاقتداء به ومنهم العديد من قادة العمل السياسى الجماهيرى العربى كما أسلفنا.

لقد صبر العرب وتجرعوا بالرغم عنهم ما رفضت شعوب أخرى ابتلاعه من السموم والويلات التى ترافق نهج الفساد والاستبداد والاستهتار بقيم الشعوب والقانون الإنسانى، وإلى الحد الذى فاض به الإناء. وقد آن الأوان لأن ينحنى أولئك الحكام العرب المستبدون لرغبات شعوبهم ومطالبهم المحقة. لقد آن الأوان أن يتبادل الحكام الفاسدون الأدوار مع الشعوب التى يحكمون وأن يتحملوا مسئولية التغيير وعبء الإنقاذ بعد أن شاركت الشعوب فى تحمل عبء الرذائل والمفاسد التى أورثها أولئك الحكام لهم ما أوصل الحال العام إلى الحضيض.

فما جرى ويجرى الآن فى الجزائر والسودان وما جرى من قبل ذلك فى كل من مصر وليبيا واليمن وإلى حد ما فى الأردن، يشير إلى أن الشعوب العربية التى تفتقر إلى آليات عمل شعبى وديمقراطى لفرض الإصلاح أو التغيير قد لجأت إلى سياسة «الانفجار الشعبى العام» الذى قد يطيح بأشخاص النظام المقصود وقد لا يطيح بالنهج أو بالنظام نفسه، أو قد يؤدى إلى انفجار الوضع بشكل قد يطيح بكل شىء. ولكن الدروس المستفادة تؤكد على رغبة الشعوب فى تغيير الأمر الواقع وعدم الاستسلام له من خلال الإصرار المستمر والمتنامى على رفضه مهما طالت المدة كما حصل ويحصل فى الجزائر أخيرا، وما زال يحصل فى السودان. فالجزائريون مثلا لم يكتفوا باستقالة الرئيس ولكنهم يصرون على تغيير النهج ورموزه بشكل كامل مع الإصرار على أن يتم ذلك بالطرق السلمية ومن خلال الضغط الشعبى المتواصل. وهذا الأمر بحد ذاته يضع أسس النهج الجديد للتغيير والذى يجمع بين الإصرار والشمول والمسار السلمى ووضوح الرؤية والأهداف.

ما نحن بصدده إذا هو نهج تراكمى لدى الشعوب فى مجابهة نمط من الحكام الذين يصرون على الاستمرار فى نهج الاستبداد والتعسف والفساد ورفض أى مطالب محقة للتغيير. ومحاولة إرهاب الشعوب وتخويفها من احتمالية انهيار الأمن والدولة هو أمر قد تم تجاوزه من خلال التجارب الأخيرة فى الأردن والجزائر بعد مرارة ما حصل فى أقطار عربية أخرى.

النتيجة فى أى مسار هى الكلمة الفيصل، والنتيجة كما هو واضح حتى الآن ستكون وبالا على العرب عموما وعلى الفلسطينيين والأردنيين خصوصا، ولا يوجد فى ساحة العمل السياسى والجماهيرى العربى الآن ما يؤشر إلى توافر الرغبة أو القدرة على التصدى لهذه الحالة من الانهيار العربى العام بهدف منع فرض أى مسار استسلامى على دول وشعوب المنطقة مما يستدعى الاقتداء بتجربة الشعبين الجزائرى والسودانى فى مسعاهم للتغيير.

***
ابتدأ الحكام والمسئولون العرب أخيرا فى اتباع نهج التوسل والرفض الخجول والاعتراض الشكلى على ما يعلمون أنه قادم، وعلى محاولة التنصل منه أو من تبعاته ليس بهدف منعه، ولكن لتبرير موقفهم الضعيف والمتهالك ومحاولة التنصل من أية مسئولية تجاه ما هو قادم. ومحاولة خلق أجواء شعبية لتأييد الموقف النظرى للحاكم لا تعنى أن الحاكم سيقف ضد ما هو قادم، يقدر ما يعنى خلق أجواء توحى بأن الحاكم غير موافق على ما هو قادم. إن الإيحاء بوجود شىء لا يعنى أن هذا الشىء موجود، والحكام كانوا دائما مواكبين لمسيرة ما هو قادم وإن كان ذلك بصمت وخفْية عن الشعوب. الحديث هنا لا ينحصر فى «صفقة القرن» ولكنه يتجاوزها إلى مستقبل العالم العربى بشكل عام وإصرار تلك الأنظمة على اعتبار استمراريتها فى قيادة دول هذا العالم العربى أو ما قد يتبقى منها هى الأولوية الحقيقية والأهم بالنسبة لهم، وليس انتهاج سياسات تؤدى إلى وقف الانهيار ومنع الآخرين من التعدى على حقوق ومصالح العرب الوطنية والقومية.

إن التلاعب بالعواطف من خلال شعارات علنية رافضة فى شكلها وموافقة فى جوهرها هى سمة المرحلة الحالية والتى تمهد لتبرير التعامل مع ما هو قادم باعتباره أمرا مفروضا وليس مقبولا. إن هذا النمط من التلاعب بالكلمات والعواطف لن يؤدى إلا إلى المزيد من التفريط بالحقوق العربية تحت مسميات مختلفة، خصوصا وأن الشعوب لا ترى من حكامها أى جهد حقيقى لمنع ما هو قادم أو تغييره، ومؤتمر القمة العربى الذى عقد أخيرا فى تونس كان فى ذلك السياق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved