«صورة مع أنور وجدى».. عصر من الفن والحياة!

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 10 أبريل 2020 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

أحمد عبدالمنعم رمضان طبيب وكاتب مصرى موهوب؛ يقول عن نفسه إنه «طبيب بأمر الضرورة يكتب القصص فى الشتاء والروايات أحيانا»، صدرت له روايتان وثلاث مجموعات قصصية لاقت انتباها لافتا؛ وهو أيضا مثقف رفيع الثقافة، له تكوين فنى خاص وذائقة فريدة فى قراءاته للكتب والنصوص الأدبية، ومشاهداته للأفلام والأعمال الدرامية؛ وله طريقة مخصوصة فى مقاربته لهذه الأعمال وأسلوب مميز؛ بقدر ذكائه ومنطقيته بقدر سلاسة عرضه وكتابته بلغة جميلة فيها مسحة سخرية محببة، وفيها ذائقة ناضجة، وفيها حس نقدى واضح.
وأظن أن كل تلك الخصائص، مجتمعة، قد تجلت بأفضل ما يكون فى كتابه الأخير الجميل الصادر عن دار آفاق بالقاهرة بعنوان «صورة مع أنور وجدى» (صمم له غلافه البديع الفنانة القديرة نجاح طاهر)، وهو كتاب لا تهتم كثيرا بتصنيفه، ولا وضعه تحت أى مسمى تأليفى، قدر استمتاعك بأسلوبه المثير المتدفق وأفكاره وتأملاته الخاصة حول ما يمكن أن نسميه «ظاهرة أنور وجدى» فى الفن والحياة والسينما معا.
شغف أحمد بالسينما شغف هاوٍ أصيل، يحب هذا الفن ويعشق تفاصيله ويقتنص جواهره ودرره؛ لا أقصد هنا المشاهد المتتابعة فقط التى نراها أمامنا على الشاشة؛ بل كل عنصر وتفصيلة مهما كانت دقيقة تتضافر جميعا كى يخرج هذا المشهد على الشاشة! وقد تعامل أحمد رمضان مع ظاهرة أنور وجدى بمنطق السيناريو المكتوب للفيلم أو لسيرة حياة؛ من حيث تقسيمه لكادرات ومشاهد وعناوين أفلام!.
وإذا كان ناقدنا الراحل العظيم محمد مندور قد ترك لنا كتابا جميلا سيبقى علامة فى نقدنا العربى المعاصر اسمه «نماذج بشرية»، فإن أحمد رمضان يقدم فى مسار موازٍ نموذجا بشريا اسمه أنور وجدى؛ بكل ما حملته هذه الشخصية المركبة من حضور وحركة وحيوية واندفاع وتهور وفن! وأظن أن هذا الخليط الذى لا يجتمع، أو من الصعب أن يجتمع فى شخص واحد قد استثار فضول أحمد عبدالمنعم رمضان وقرر أن يتتبعه، ويحاول أن يلملم خيوط تشكله، ويرسم لنا هذا البورتريه الجميل الأنيق لسيرة أنور وجدى الفنية، والسينمائية، والإنسانية؛ إذا جاز التعبير.
من قصاصة صحفية هنا أو حملة إعلانية هناك أو حوار لمطبوعة فنية أو أفيش لفيلم أو واقعة زواج يعقبها انفصال يرويها أبطالها كل من منظوره وحسب وجهة نظرة.. إلخ، سيتعامل أحمد مع هذه المواد باعتبارها علامات لغوية (أو بلغة النقد علامات سيميوطيقية تتكون من دال ومدلول)، ويحاول أن يعيد ترتيبها فى نسق أو نظام أطلق هو عليه «صورة مع أنور وجدى»؛ وهى فى الحقيقة صورة تكاد تكون شاملة ومستوعبة لأبرز محطاته الفارقة «فنه وأفلامه، وعلاقاته بمعاصريه، وعلاقاته النسائية، ويتتبع قائمة أفلامه العامرة ممثلا ومؤلفا ومخرجا ومنتجا.. إلخ»، ومن وراء ذلك كله خفايا ودهاليز شخصيته العاصفة التى لا تهدأ ولا تفتأ تثير من حولها الزوابع والأعاصير!
طبيعى، وبحكم عمله وتجربته الفنية، أن تتردد أسماء ليلى مراد وليلى فوزى وفريد شوقى وكمال الشيخ وغيرهم من أعلام الفن والسينما فى تلك الفترة وأن يكون لها مساحتها فى سيرة أنور وجدى، لكن ما الذى يجمع أنور وجدى بحسن البنا مثلا؟! فليرجع للكتاب من شاء!
ينتمى أنور وجدى لفئة من البشر الذين لا تقاس أعمارهم بمدى ما عاشوه من أعوام (توفى فى الحادية والخمسين من عمره) بل بمدى ما راكمه من خبرات وخاض من مغامرات وأنشأ من علاقات (أو تحرر منها)، وبما أنجزه من أفلام وأعمال فنية تشهد على حيوية وثراء وذهبية العصر الذى عاش فيه أنور وجدى؛ عصر القوة الناعمة فى أعظم تجلياتها وأوسع تأثيراتها مدى وانتشارا، نحن نتحدث عن العقود الستة الأولى من القرن العشرين مع التركيز على فترة الأربعينيات والخمسينيات العاصفة؛ بكل ما فيها من مشاهد وأفلام، نساء وزيجات، كفاح وصعود ونجاح، ونهاية تكاد تكون مأساوية تليق بأحد أبطال التراجيديات اليونانية القديمة.
نجح أحمد رمضان باقتدار فى رسم صورة نابضة بالحيوية والحركة والتفاعل تكاد لا تقتصر على سيرة حياة فنان متألق، وصاحب منجز فنى يشهد له ويشهد عليه، إنما تتسع لتحدد ملامح عصر بأكمله؛ عصر من الفن والسينما والثقافة، والحراك السياسى والاجتماعى والاقتصادى لم تشهد له مصر مثيلا من قبل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved