الأبيض.. والمموه!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 10 أبريل 2020 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

هل مواجهة فيروس كورونا المستجد، تقتصر فقط على الأطباء وأطقم التمريض أو عناصر الجيش الأبيض كما يفضل الكثيرون إطلاق هذا الوصف عليهم، أم أنها تتسع لتشمل جميع مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة؟
قبل أيام قليلة مضت، نفذت القوات المسلحة «اصطفافا»، كشفت فيه عن إمكاناتها واستعداداتها الهائلة والمكثفة لمواجهة أسوأ السيناريوهات التى يمكن توقعها حال خروج فيروس كورونا عن السيطرة فى مصر.
سبق هذا الاصطفاف، قيام القوات المسلحة بأعمال تطهير وتعقيم للمنشآت المهمة والحيوية، وكذلك الإعلان عن وصول طائرة نقل عسكرية محملة بشحنة متكاملة من المستلزمات الطبية التى تم استيرادها من الخارج، بالتنسيق بين القوات المسلحة ووزارة الصحة المصرية والهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد الطبى، بهدف معاونة أجهزة الدولة المعنية، للحفاظ على استمرارية تقديم العلاج الطبى لمواجهة فيروس كورونا المستجد، كما ذكر بيان المتحدث العسكرى.
كثيرون اعتبروا هذا الاصطفاف والإجراءات الأخرى، بمثابة رسالة طمأنة للمواطنين، مفادها وجود خطط حقيقية لدى القوات المسلحة، لدعم ومساندة مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة فى مواجهة هذا الوباء العالمى، وأن ما يمتلكه الجيش من تجهيزات أو إمكانات سواء طبية أو تموينية هى «تحت الطلب» متى تطلب الأمر ذلك.
فى المقابل نظر البعض بتحفظ شديد إلى ذلك الاصطفاف والإجراءات الأخرى، وزعم أن مواجهة كورونا هى معركة خالصة لعناصر الجيش الأبيض، وأن دخول أصحاب الزى المموه على الخط، مجرد محاولة لسرقة اللقطة فى هذا التوقيت الحاسم من عمر الأزمة الصحية التى تجتاح العالم.
التفكير بهذا الشكل ينطوى على قصور شديد فى الفهم وضيق فى الأفق وغياب واضح للمسئولية الوطنية، ويبدو أنه مدفوعا بإرث السياسة المتخم بالاستقطاب خلال السنوات الماضية، رغم أن هذه الجائحة التى تهز أركان العالم فى الوقت الراهن، تتطلب من تلك الفئة وغيرها، مساندة جهود مؤسسات الدولة كافة من أجل عبور نفقها المظلم، والتوقف عن المناكفات السياسية التى لا يحتاجها الوطن الآن.
مواجهة هذه الجائحة العالمية، تعتمد بالتأكيد على منظومة متكاملة من العناصر، فى مقدمتهم بالطبع رجال الجيش الأبيض الذين يقفون فى الصفوف الأمامية للمواجهة، بل ويعرضون أنفسهم للخطر الدائم خلال أدائهم لواجبهم المهنى، والذين قدموا خلال الفترة الماضية مصابين كثر، ومنهم من توفى جراء هذا المرض اللعين، مثل الدكتور أحمد اللواح.
لكن دور عناصر الجيش الأبيض فقط لن يكون مثمرا أو حاسما فى القضاء على الوباء، من دون وعى المواطنين أولا، ودعم جميع قطاعات ومؤسسات الدولة، مثل الأزهر والكنيسة والإعلام وكذلك القوات المسلحة التى تمتلك إمكانات هائلة من التجهيزات والمعدات، وبالتالى فإن دخولها إلى ميدان المعركة مع الوباء للمساعدة، ليس عيبا أو محاولة لسرقة اللقطة كما يدعى البعض متعمدا.
فمع الانتشار الهائل للوباء، لجأت الكثير من الدول إلى قواتها العسكرية للمساعدة فى مواجهته، ولم يقل أحد أنها محاولة للظهور أو للاستحواذ على اللقطة.. وهناك نماذج كثيرة لهذا الوضع، منها الطلب الذى وجهه حاكم ولاية نيويورك الأمريكية أندرو كومو، للرئيس دونالد ترامب، بتعبئة الجيش للمساعدة فى مواجهة فيروس كورونا.
كومو قال فى رسالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»: إن «الولايات لا يمكنها كل على حدة تشييد المزيد من المستشفيات أو تقوم بتعديلات على المنشآت الموجودة بالسرعة الكافية، فى هذه المرحلة، أملنا الوحيد هو استخدام فريق مهندسى الجيش والاستفادة من خبرتهم وعتادهم وعنصرهم البشرى لإعادة تجهيز المرافق الموجودة، مثل القواعد العسكرية أو مهاجع الكليات، لتكون بمثابة مراكز طبية مؤقتة»، وأضاف: «نعتقد أن تسخير أفراد الجيش الموجودين فى الخدمة لن ينتهك القانون الفيدرالى، لأن هذه كارثة وطنية».
وإذا تركنا الولايات المتحدة وذهبنا إلى إيطاليا، فنجد أن أنتيليو فونتانا، رئيس إقليم لومبارديا الإيطالى الأكثر تضررا بالفيروس، كان قد أعلن أن الحكومة وافقت على إشراك الجيش لوقف انتشار العدوى، مؤكدا أنه «سيجرى نشر 114 جنديا فى كل أراضى لومبارديا.. هذا العدد لا يزال قليل جدا، لكن التطور نفسه إيجابى».
إذا مشاركة القوات المسلحة وكل مؤسسات الدولة فى مواجهة الوباء، ليس عيبا أو تقليلا من شأن أو قدرة عناصر الجيش الأبيض، بل على العكس تماما، نرى أن تكاتف جميع مؤسسات الدولة فى هذه المرحلة الصعبة، بمثابة «فرض عين» حتى نعبر هذه العاصفة بأقل الخسائر، وعلى من يحاولون افتعال معركة أو مواجهة أو حتى الادعاء بوجود تناقض بين دور «الأبيض» و«المموه» التزام الصمت.. فالأزمة أكبر وأعمق وأعقد من هذه المهاترات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved