سياسات متناقضة لدول منتدى شرق المتوسط

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: السبت 10 أبريل 2021 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

عام 2017 عندما كانت العمليات الإرهابية فى سيناء على أشدها، بالرغم من مرور عامين على عملية حق الشهيد، فاجأت تركيا الجميع بمبادرة لعمل جزيرة صناعية قبالة سواحل غزة، مستغلة تدنى العلاقات بين مصر وقطاع غزة التى وصلت للحضيض فى ذلك الوقت. هدفت المبادرة لكسر حالة الحصار على غزة من ناحية، وفتح نافذة لها على العالم بعيدا عن مصر. وكان من الأهداف المستترة وراء المشروع تسلل تركيا لمياه غزة؛ حيث تستطيع التنقيب عن الغاز الطبيعى. ومن ثم تصبح جزءا لا يتجزأ من أى اتفاق للطاقة فى شرقى المتوسط. وبالطبع رفضت مصر أى مشروع من هذا القبيل، وبعدها بشهور قليلة بدأت عملية سيناء 2018 التى غيرت ــ عن حق ــ مستوى الخطورة والأوضاع فى سيناء وفتحت الباب للتعمير، وتلاشت أى أحلام تركية فى مياه غزة الإقليمية.
لكن مقدرات الغاز الطبيعى فى مياه غزة ظلت حبيسة بلا نفع. وفى هذا السياق، إسرائيل نفسها لم تسمح فى أى وقت للجانب الفلسطينى بالتنقيب عن الغاز الطبيعى فى مياه المتوسط منذ اكتشافه عام 1999. فهى تعلم جيدا أن عوائد الغاز الطبيعى بوسعها تعظيم موارد السلطة الفلسطينية، وقد تقع أو تصل إلى يد مناوئة لدولة الاحتلال الإسرائيلى. وبالتالى أو كالعادة، لابد من ترتيبات أمنية مسبقة قبل التفكير فى ترتيبات اقتصادية أو نفع تجارى، طالما الوضع مرتبط بإسرائيل. وفى نفس السياق، لابد بالدفع لنوعية معينة من السياسات تجعل أى اتفاق يتحول لمكسب سياسى لإسرائيل. وكلما كان المكسب إقليميا كلما أصبح للاتفاق قيمة. وهذا فى حد ذاته أمر بديهى بالنسبة لصانع السياسة الإسرائيلى. فهو يسعى منذ القدم لإعادة ترتيب المنطقة بحيث تصبح إسرائيل نبتة طبيعية فى المنطقة، بدون حواجز أو موانع من أى نوع.
***
ثم حدث فى فبراير من هذا العام تطور فى ملف غاز غزة، حيث جرى توقيع اتفاقيتين بعد زيارة قام بها وزير البترول المصرى إلى فلسطين. وجاء مانشت الخبر على النحو التالى «اتفاق مصرى فلسطينى لتطوير حقل غاز غزة.. وخط أنابيب لربط ليفياثان الإسرائيلى بمصر». وعلى الفور صدرت تصريحات متناقضة من حركة حماس بغزة، فمن ناحية رحبت قيادات بالحركة بالاتفاق، وأشاروا إلى أن مصر القوية هى فلسطين القوية. بينما رفض أعضاء حماس بالمجلس التشريعى المنحل الاتفاق قالوا إنه غير قانونى. وتعليقا على هذا التطور من المفهوم أن تصدر مثل هذه التفاعلات الداخلية. وقد يرى البعض أن لها علاقة بمصر، لكن واقع الأمر المسألة مرتبطة أكثر بملفات الفساد الداخلى، حيث تتبادل حركة حماس وفتح إلقاء التهم بينهما بخصوص ملفات الفساد، لاسيما مع اقتراب الانتخابات التشريعية الفلسطينية.
وفى سياق إقليمى، لم يتوقف البعض أمام اتفاق غزة ولكن أمام الشق الثانى من الاتفاق، وهو الذى وقعه وزير البترول المصرى مع وزير البترول الإسرائيلى بخصوص مد خط أنابيب «بحرى» لربط حقل ليفياثان الإسرائيلى بمحطات الإسالة المصرية. وعلى الفور شعرت قبرص بالقلق، وجرت اتصالات مصرية يونانية رفيعة المستوى. فمعنى مد خط أنابيب بحرى على هذا النحو أن مسار الخط المزمع عمله بين حقول إسرائيل وأسواق أوروبا قد يتغير مساره من إسرائيل ــ قبرص ــ اليونان ــ إيطاليا، ليصبح إسرائيل ــ مصر ــ اليونان ــ إيطاليا. وفى السياق نفسه، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلى أثناء حملته الانتخابية البرلمانية الرابعة، تصريحا منفتحا على تركيا قائلا إنه يدرس احتمالية توصيل الغاز الإسرائيلى عبر تركيا أيضا! إذن الكثيرون يطمعون فى توصيل الغاز الإسرائيلى لأوروبا، وفى جعل بلدانهم مركزا إقليميا حيويا للطاقة.
***
ولكى تكتمل الصورة، يوجد جانب آخر مرتبط بمنتدى شرق المتوسط للغاز الطبيعى، والذى تحول من منتدى يضم 7 دول عام 2019، إلى منظمة إقليمية لها ميثاق أقرته برلمانات الدول الموقعة فى مارس 2021، وانضمت إليه دولة الإمارات العربية، وفرنسا كمراقبين، ثم الولايات المتحدة. المنظمة تعتبر أول منظمة فى المنطقة تشهد عضوية فاعلة بين إسرائيل من جانب وفلسطين أو السلطة الفلسطينية من جانب آخر. ومن الصعب جدا تصور حدوث اتفاق على حقل «مارين غزة» للغاز الطبيعى يسمح لمصر بالتنقيب واستغلال مياه غزة بدون وجود منتدى شرق المتوسط. بمعنى آخر، منتدى شرق المتوسط لا يعمل لصالح جانب بعينه ولكن لصالح الدول الأعضاء ككل. ومن أحد أهم المكاسب من المنتدى هو دفع ملف التطبيع الاقتصادى مع إسرائيل بطريقة غير مسبوقة. وهو أمر يمر مرور الكرام، بحجة أن السلطة الفلسطينية أيضا تستفاد.
لقد نجح التكتل الحاصل فى منتدى شرق المتوسط فى تحجيم دور تركيا بطريقة لافتة للانتباه فى ملفات الغاز الطبيعى. فلا هى طالت غاز شرقى المتوسط، ولا هى طالت الحدود البحرية التى تأملها. ولكن هذا الوضع غير دائم، فغير المتوقع يحدث دائما. فمن ناحية إسرائيل لا تمانع فى إعادة الاتفاق مع تركيا فى أى وقت بمجرد أن يحقق ذلك مصالحها. ومن ناحية أخرى، بالرغم من التقارب التكتيكى التركى تجاه مصر والذى بدا ليس فقط من تصريحات وزير الدفاع التركى الذى أثنى على العلاقات التاريخية بين بلاده وبين مصر، ومن تصريحات وزير الخارجية التركى الذى قال صراحة إن بلاده تسعى لعمل اتفاق للحدود البحرية مع مصر، فإن تقلبات تركيا تجعل من الصعب البناء على أى اتفاق معها فى ظل القيادة الحالية. بيد أن العلاقة مع تركيا قد تتغير تماما إذا ما تحول خط الأنابيب الإسرائيلى بعيدا عن قبرص ومر خلال مصر. فبالرغم أن هذا ليس مكسبا لتركيا ولكنه خسارة لقبرص. مما قد يفتح بابا جديا لتوازن أو حتى تقارب مصالح برجماتى مع تركيا. وهو أمر بحاجة للمتابعة الفترة المقبلة.
***
خلاصة القول، ما قد يبدو وكأنه اتفاق بسيط على السطح، يحمل فى طياته ما هو أعمق من ذلك. المسألة ليست الغاز الطبيعى، وإنما المسألة التطبيع مع إسرائيل. ثم إن المسألة ليست مسار خط أنابيب الغاز الطبيعى، بل التنافس على حصة مما قد تقدمه إسرائيل. وإذا أضفنا إلى ذلك فكرة «الاتفاق الإبراهيمى» أى اتفاق السلام «الإمارات ــ البحرين وإسرائيل»، فإن التقدم الذى يحدث على المستوى السياسى الإسرائيلى ليس تقدما برجماتيا، ولكنه تقدم فى المكانة الإقليمية، تعززه المصالح المرتبطة بإسرائيل، وبوسع هذه المكانة أن تلعب دورا أكبر من المتصور فى زمن قريب. فبينما يهرول البعض لكونه مركز الطاقة الإقليمى، فإن تل أبيب هى جهة الفصل التى ترجح ذلك أو تنقضه.

باحث فى مجال السياسة والعلاقات الدولية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved