الخلافات الجذرية مع إيران..

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الأحد 10 مايو 2009 - 5:27 م بتوقيت القاهرة

 بعد ساعات من حديث أمين السياسات فى الحزب الوطنى الديمقراطى جمال مبارك يوم الثلاثاء الماضى عن وجود خلافات جذرية بين مصر وإيران، علمت من مصادر قريبة من الحزب وأمانته للسياسات أن لجانا تابعة للأمانة مشغولة حاليا بتقويم قضية العلاقات المصرية ــ الإيرانية، ووضع خطوط إرشادية وتوصيات للمفاوض المصرى فى حالة ما إذا تقرر فى أى وقت فى المستقبل الدخول فى حوار جاد بين القاهرة وطهران.

المعنى الإيجابى الذى أحب أن أصدقه من تصريح أمين السياسات، ومن تكليفه المختصين فى الأمانة العامة بتقويم العلاقات مع إيران، هو أن جماعتنا هؤلاء لا يغيب عنهم كلية التفكير فى استثمار الطموح الإيرانى إلى دور إقليمى فى الضغط على الأطراف الأخرى لإقامة نظام عادل وفعال للأمن الجماعى والتوازن العسكرى والتعاون وهذا بالضبط هو ما كتبنا نطالب به فى الأسبوعين الماضيين.

إسهاما من جانبنا فى مهمة لجان أمانة السياسات سوف نحاول هنا ــ من خلال المناقشة الهادئة ــ أن نجيب أولا عن السؤال التالى: ما هى تلك الخلافات الجذرية التى تحدّث عنها جمال مبارك بين مصر وإيران؟

دعونا ننحى منذ البداية مسألة الاختلاف بين طبيعة النظامين السياسيين المصرى والإيرانى، فهنا نظام وطنى شبه مدنى شبه علمانى، شبه ديمقراطى، يوصف بأنه معتدل فى السياسة الخارجية، وهناك نظام إسلامى شيعى، شبه ديمقراطى أيضا، لكنه راديكالى فى السياسة الداخلية والخارجية، ويتهم بأن لديه نزعة للهيمنة الإقليمية، أو تصدير الفكر الشيعى الراديكالى، وحين نقول دعونا ننحى هذا الخلاف بين طبيعة النظامين جانبا، ولا نعتبره من الخلافات الجذرية التى أشار إليها أمين السياسات فى الحزب الوطنى، فهذا لا يعنى عدم الاعتراف بوجود هذا التباين أو التناقض بين النظامين، ولكن المعنى هو أن الخلاف أو الاتفاق بين الدول يجب ألا يتوقف كثيرا عند طبيعة النظم السياسية، بما أنه من المستحيل على أى دولة تريد أن تقيم علاقات مع دولة أخرى أن تفرض عليها تغيير نظامها السياسى، بل إنه فى الحالة الإيرانية تخلت إدارة الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما عن هدف تغيير النظام الإيرانى، ويبقى المعول عليه فى هذه الحالة هو وضع أو أخذ الضمانات الكافية لعدم تدخل أى من النظامين أو الدولتين فى الشئون الداخلية للدولة الأخرى ضد قانونها ودستورها، وضد أمنها القومى بأبعاده الخارجية والداخلية، وكان هذا المنطق هو الذى فرض نفسه على العلاقات الأمريكية ــ الأوروبية مع كل من الاتحاد السوفييتى السابق، والصين الشيوعية بعد حقب من المواجهات غير المجدية.

إذن ما هو الخلاف الجذرى الحقيقى بين مصر وإيران؟

من الواضح أن هذا الخلاف يدور حول قضية السلام فى الشرق الأوسط، فإيران ترفض من حيث المبدأ الاعتراف بإسرائيل كدولة، وبالتالى ترفض الدخول معها فى علاقات سلمية، كما أنها تساند القوى التى تتخذ موقف الرفض لوجود إسرائيل كدولة، وبالأخص حركة حماس الفلسطينية بطبيعة الحال، وبالتأكيد فإن هذا الرفض ينبع من الطبيعة الأيديولوجية الراديكالية «الدينية» للنظام الإيرانى.

ولا جدال فى أن هذه السياسات تتعارض ليس فقط مع الاختيارات الاستراتيجية المصرية، ولكن أيضا مع الاختيارات الاستراتيجية العربية ككل، كما أجمع عليها منذ قمة بيروت التى أطلقت ما يسمى بالمبادرة العربية، ولكن بقليل من التروى سوف نجد أن إيران لم تستطع منع حليفها السورى من الدخول فى مفاوضات رسمية سرية وعلنية مع إسرائيل، ولم تمنع دمشق من الانضمام فى قمة بيروت آنفة الذكر إلى مشروع المبادرة العربية، كما أن السعودية التى هى الأب الروحى لتلك المبادرة تحتفظ بعلاقات وثيقة مع طهران، وعليه فيمكن ألا يكون الخلاف بين مصر وإيران حول العلاقات مع إسرائيل اختلافا جذريا بشرط ألا يحاول الإيرانيون مباشرة أو عن طريق وكلائهم، أو حلفائهم استدراج مصر إلى نزاع مسلح يُفرض عليها، ولا تكون الدولة المصرية هى صاحبة القول والقرار الأول والأخير فيه، وبديهى أن ذلك سوف يكون على رأس الضمانات المطلوبة من طهران فى حالة انطلاق حوار بينها وبين القاهرة، وفى الغالب لن تجد طهران غضاضة فى ذلك مادامت تنخرط فى علاقات تحالف مع سوريا التى تتفاوض مع إسرائيل، ولن تجرؤ على أن تطلب من القاهرة أن تتراجع عن اختياراتها الاستراتيجية لأسباب غير مصرية صرفة، وفى المقابل، فليس متصورا أن تشترط القاهرة على طهران الاعتراف بإسرائيل مقابل الحوار وتبادل العلاقات بين العاصمتين.

يفترض أيضا أن من أوجه الخلاف بين مصر وإيران احتلالها للجزر الإماراتية، والمخاوف من ؟؟؟ الإيرانى للأقليات الشيعية فى دول الخليج والمشرق العربى ضد حكوماتها وأوطانها، ولكن هذه ليست مسئولية مصر قبل أن تكون مسئولية هذه الدول نفسها أولا، وفضلا عن ذلك يبدو أن العلاقات الخليجية ــ الإيرانية تجاوزت مرحلة القلق من مشكلات الأقليات الشيعية، فى حين أن قضية الجزر الإماراتية أقدم فى أصلها من النظام الحالى فى طهران، وكما قلنا فى مناسبة سابقة فإن دول الخليج كلها تتبادل العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران.

ونأتى إلى قضية الطموح العسكرى الإيرانى، وفى القلب منها البرنامج النووى، ولمصر هنا الحق فى القلق ــ ولكن فى حدود ــ على التأثير الضار لأى نشاطات نووية عسكرية إيرانية محتملة على سياساتها الدائمة المتمثلة فى الدعوة إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط برمتها من أسلحة الدمار الشامل، على الأقل من أنه يوفر ذريعة لإسرائيل للتهرب من استحقاق الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووى، ولكن الوجه الآخر لهذه الحقيقة أن إسرائيل بهذه الذريعة أو بغيرها ترفض الانضمام للمعاهدة، وأن إيران عضو فى هذه المعاهدة، وأن منشآتها تخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة النووية، والأهم من ذلك كله أن مصلحة مصر والدول العربية، وبقية دول الإقليم كتركيا أن تستثمر أزمة الملف النووى الإيرانى فى السعى إلى تسوية نهائية لقضية التسلح النووى بالمنطقة، بحيث تعالج قضية السلاح النووى الإسرائيلى فى خط موازٍ لمعالجة قضية الملف النووى الإيرانى، ومن حسن الحظ أن هذا بالضبط هو ما تطور إليه الموقف الرسمى فى الأسبوعين الأخيرين حسب تصريحات وزير الخارجية المصرية مؤخرا، وإذا سمحنا لأنفسنا بمزيد من التفاؤل فهناك بوادر تطور فى الموقف الأمريكى نفسه، أهمها بلا شك التعهد الأخير من جانب الحكومة الأمريكية بالسعى لضم إسرائيل وباكستان والهند لمعاهدة حظر الانتشار النووى وهو ما وصفته صحيفة إسرائيلية بأنه «قنبلة»، وهو وصف فى محله ليس فقط للسبب الذى ذكرته الصحيفة الإسرائيلية، وهو أن هذه هى المرة الأولى فى تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأمريكية التى تطالب فيها واشنطن إسرائيل بالانضمام لمعاهدة الحظر النووى، ولكن أيضا لأن الإدارة السابقة «إدارة بوش الابن» كانت قد أعلنت فى سابقة هى الأولى من نوعها ــ وعلى لسان دونالد رامسفيلد وزير الدفاع فى تلك الإدارة ــ أن من حق إسرائيل امتلاك أسلحة نووية، وأن واشنطن لن تطالبها بالانضمام للمعاهدة الدولية، وكان ذلك فى مؤتمر ميونخ لسياسات الأمن الدولى عام 2003 فى انقلاب صارخ على سياسات الإدارة السابقة التى لم تطالب إسرائيل علنا بالانضمام، لكنها لم تعترف بها علنا بالحق فى امتلاك سلاح نووى.

إذن فكل الخلافات المفترض أنها جذرية بين مصر وإيران قابلة للتسوية، بل وبعضها يمكن توظيفه لمصلحة الأمن المصرى والعربى، ولصالح إقامة نظام إقليمى للأمن والتعاون، وعلى ذلك يبقى افتراض أخير يتعلق بدور جماعة الإخوان المسلمين فى المستقبل السياسى لمصر، فلربما تشعر جهات معينة فى النظام والحزب الوطنى الحاكم بأن نجاح الثورة الإسلامية فى إيران يمثل نموذجا ملهما للجماعة المصرية، ولربما لدى الأجهزة المختصة معلومات ــ لم تصل إلى علمنا ــ عن مخططات أو احتمالات تنسيق إخوانى إيرانى يهدد استقرار النظام، خاصة فى مرحلة ما بعد الرئيس حسنى مبارك، ولا مفر من التسليم بأن عمق العلاقات بين إيران وحركة حماس الفلسطينية التى هى فرع لجماعة الإخوان، قد أزال كثيرا من حساسيات الجماعة المصرية ــ بوصفها جماعة سنية سلفية ــ من التعامل مع الشيعة الإيرانيين. لكننا بالقطع لا نستطيع أن نصدر أحكاما بناء على ترجيحات لا نملك حولها معلومات، كما أن الشواهد تدل على أن التأثير الإيرانى على التنظيمات السياسية الإسلامية السنية محدود للغاية فى بقية دول العالم الإسلامى، وبذلك تبقى حركة حماس استثناء لظرفها الخاص المتعلق بمواجهة إسرائيل، ثم إننا قلنا من قبل إن الالتزام بعدم التدخل فى الشئون الداخلية لمصر سوف يكون أول وأهم شرط لتبادل العلاقات بين القاهرة وطهران، ويبقى أن مصر ليست لبنان، وأن النظام فيها أقوى ــ رغم كل شىء ــ من أى جماعة داخلية باستثناء الشعب ككل بطبيعة الحال، وليس أدل على ذلك من اعتراف الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان فى حواره مع «الشروق» أمس بأن النظام سوف يسحق الجماعة إذا نزلت إلى الشارع لمعارضة توريث السلطة إلى جمال مبارك دون غطاء شعبى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved