تقدير موقف للمشهد الراهنعماد الدين حسين

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 10 مايو 2012 - 10:05 ص بتوقيت القاهرة

مساء الجمعة 11 فبراير 2011 عاشت مصر واحدة من أسعد لحظاتها وانصهر الجميع فى بوتقة واحدة وهتفوا جميعا شعارهم الذى كان جميلا: «الشعب والجيش إيد واحدة».

 

منذ هذا التاريخ ولمدة أسابيع تقريبا كان سهم الثوار الذين اسقطوا مبارك فى عنان السماء.

 

عندما حدثت كشوف العذرية فى مارس بدأ الشرخ الأول بين الثورة والمجلس الأعلى، وتعمق الشرخ  بعد 8 أبريل.

 

فى 19 مارس حدث الشرخ الأكبر بين قوى الثورة وبدأ الحليفان الرئيسيان وهما التيار الإسلامى والليبرالى يتباعدان بعد معركة استفتاء 19 مارس من نفس العام.

 

 بمهارة شديدة ــ لم ينتبه لها كثيرون إلا الآن ــ تم استدراج قوى الثورة إلى معارك استنزاف متنوعة ومتواصلة وللاسف سقطت معظم هذه القوى فى الفخ الذى تم نصبه لها باحكام. ولم تلتفت هذة القوى إلى عملية «الشيطنة الممنهجة» ضدها.

 

التيار الإسلامى انتبه إلى حد ما للفخ ــ فى البداية ــ وتفرغ لتعزيز حظوظه الانتخابية وترك قوى الثورة «تنهرس» تحت سنابك المجلس العسكرى ووزارة الداخلية إضافة إلى كل قوى الفلول. وظن هذا أنه نجا من الفخ خصوصا بعد نتائج الانتخابات البرلمانية التى حصد أغلبيتها.

 

وبدأ «يهندس» دستورا على مقاسه يقصى به معظم خصوصه، وكأنه يتعامل مع مشروع قانون لإنشاء شبكة المجارى وليس دستورا لكل مصر.

 

فى هذه اللحظة توهم هذا التيار انه حان قطف الثمار وفى اللحظة التى مد يده ليتناول الثمرة ويلتهمها فوجئ بمن يقول له انها «ثمرة محرمة» وحتى لو كانت حلالا فيصعب على معدتك أن تهضمها.

 

ومثلما وقع الثوار فى اخطاء بسيطة وقاتلة  انتهت الى انخفاض شعبيتهم فى الشارع، حدث الأمر نفسه لبعض القوى الاسلامية،خصوصا ما فعله حازم صلاح أبوإسماعيل وبعض أنصاره.

 

والنتيجة التى يمكن استخلاصها من نتائج موقعة العباسية الأخيرة هى أن عملية الإجهاز على الإسلاميين قد بدأت.

 

بعد كمين تأسيسية الدستور بدأ ميزان القوى يتغير: الإسلاميون تذكروا ان هناك شريكا اسمه القوى المدنية، والأخيرة اكتشفت أن بعض قرارات المجلس العسكرى يمكنها ان تصب فى مصلحتها، وماكينة معظم أجهزة الإعلام الحكومية بدأت تعود للتصويب على الإسلاميين والإخوان وكأن مبارك لم يسقط.

 

الآن وبعد حوالى 15 شهرا من الثورة بكل أحداثها يبدو تطور الأمور مثيرا للدهشة، وميزان القوى يتأرجح كل يوم بين الفرسان الثلاثة، وكأنها لعبة كراسى موسيقية.

 

لكن المؤكد أن المجلس العسكرى استعاد المبادرة التى ظن كثيرون أنه فقدها خصوصا بعد أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلسى الشعب والوزراء.

 

والتيار الإسلامى فقد جزءا كبيرا من جاذبيته بفعل قلة خبرته من جهة والمحاولات «الممنهجة» لإضعافه من جهة أخرى، أما الليبراليون فلم يخرجوا تماما من المشهد كما توقع البعض، وعادوا رقما مهما فى المعادلة بفعل تأثير نخبتهم لا بفعل قوتهم فى الشارع كما اتضح فى معركة لجنة الدستور.

 

إذن يمكن القول إن قواعد اللعبة بين الثلاثى العسكرى والليبرالى والإسلامى هى كالتالى: أى قوتين يستطيعان التحالف معا يمكنهما التأثير فى العملية السياسية. والمنطق البسيط كان يحتم تعاون الإسلاميين والليبراليين من أجل مرحلة انتقالية سلسة تقود إلى حياة مدنية سليمة بدستور عصرى، لكن ذلك لم يحدث للاسف الشديد.. وفرص حدوثه من دون «مساعدة وتدخل» من العسكر تبدو مشكوكا فيها.

 

وبالتالى ــ وحتى إشعار آخر ــ فإن رائحة وروح المجلس العسكرى ستظل ترافق الشريكين المتخالفين لفترة ليست قصيرة حتى يتعود هذان الشريكان على العيش المشترك معا من دون الرعاية الأبوية للمجلس العسكرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved