العفو وعدم الإقصاء شيمة الملوك العظام

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 10 مايو 2014 - 7:50 ص بتوقيت القاهرة

 قد تختلف أو تتفق على شخصية الملك حسين بن طلال ملك الأردن الراحل رحمه الله.. ولكنك لابد وأن تتوقف مليا أمام صفة مهمة استوقفتنى فيه.. ألا وهى صفة العفو والصفح.

لقد قرأت سيرته وتابعتها بقوة وسمعت وقابلت الكثير من الأردنيين الثقات وكلهم أشاد بهذه الصفة بالذات فى الملك حسين الذى حكم الأردن فى ظروف بالغة الدقة والصعوبة وتقلبات إقليمية ودولية حادة.

فالأردن تقع بين أربع دول صعبة المراس هى إسرائيل ومصر والعراق وسوريا.. وكل من هذه الأربع لها أهدافها واستراتيجيتها المتصارعة والمتعاكسة عادة مع الأردن.. والأخيرة هى الدولة الوحيدة الصغيرة بين هذه الأربع الكبار الأشاوس.

لقد حكم الملك حسين الأردن 40 عاما وقعت فيها 40 محاولة انقلاب مسلح عليه.. مع 40 محاولة اغتيال له.. ولكنه لم يعدم أى سياسى على الإطلاق.

وقد كانت عادته التى لم تتغير هى الحكم بالإعدام على قادة الانقلاب أو محاولة الاغتيال ثم تخفيف الإعدام إلى المؤبد بعد عام.. ثم العفو والإفراج عنهم بعد عدة أعوام قليلة وهكذا.

لقد حكم الأردن وعمره 18 عاما وتعلم منذ صغره أن العفو هو زكاة القدرة.. فكل شيء له زكاة، فللمال زكاته وللصحة زكاتها وللقدرة والسلطة زكاتها أيضا وهى العفو.. ومن دفع الزكاة بارك الله له فيما زكى فيه من مال أو صحة أو سلطة وحكم.

وقد عجبت لهذا الملك العفو حينما قابلته والدة الإسلامى السياسى/ ليث شبيلات وشكت إليه من سوء معاملة ابنها فى السجن وأنها لا تتمكن من زيارته بطريقة كريمة فوعدها خيرا فى كلمات قليلة.. وكان ليث شبيلات ومجموعة معه أدينوا بمحاولة قلب نظام الحكم بالقوة.. وقد كشف الأمن الأردنى الشهير بقوته محاولتهم قبل تنفيذها وحكم على ليث بالسجن المؤبد.

وبعد كلمات أم ليث للملك حسين قاد الملك سيارته بنفسه دون حراسة ودون موكب وذهب إلى السجن مباشرة ودق الباب ففوجئ المأمور بالملك وحيدا فارتبك ارتباكا شديدا فأمره بإحضار ليث إلى غرفته فأحضره سريعا فقال: جهز أغراضك وتعال معى لأسلمك إلى أمك.

فقال ليث وهو يدرك معنى عفو الملك حسين: هل أبشر المجموعة كلها بخير.. قال: ليس الآن.. ثم اصطحب ليث فى سيارته وقادها بنفسه حتى ذهب به إلى بيته وسلمه إلى أمه.. ثم أفرج عن باقى رفاقه بعد ذلك.

والغريب أن ليث سب الملك حسين بعد ذلك فى خطبة الجمعة لبكائه فى تل أبيب على إسحق رابين.. وحكم عليه مجددا بالسجن ثلاث سنوات ثم عفا عنه الملك أيضا.

لقد استطاع الملك حسين بمثل هذه الصفات النبيلة فى العفو والتسامح من قيادة الأردن الذى يتكون شعبه من نسيج مختلط من تداخل عدة شعوب متجاورة.. وكان أكثر سكان الأردن من الفلسطينيين الذين كانوا يميلون إلى الاشتراكية والاتحاد السوفييتى والملك كان عكس هذا التوجه.. ولكن حكمته وعفوه استطاعت أن تصهر الأردن فى بوتقة واحدة دون أن يقصى أى فصيل على الإطلاق.. فقد استطاع مثلا أن يدمج الإخوان فى الحكم طوال عهده دون مشاكل.. وذلك فى عبقرية فريدة لم يستطعها غيره فى المنطقة.

لقد قارنته كثيرا بحكام كثيرين حكموا مصر.. اعتبروا العفو والصفح خلقا مذموما.

فالرئيس الأسبق مبارك كان يفخر أنه لم يعف عن أحد.. بل إنه سجن قائده فى حرب أكتوبر سعد الشاذلى وقد جاوز السبعين من عمره دون اعتبار لسنه أو عطائه أو شرف الكفاح الذى جمعهما أو زمالة الحرب والنصر فى أكتوبر.. ومن أجل قضايا قديمة فات أوانها ليخرج الشاذلى كغيره.. ويساويه بالجنائيين فى انقضاء العقوبة.

إن مصر وحكامها جميعا ينبغى أن يتعلموا أمرين من الملك حسين هما: العفو وعدم الإقصاء.. ويبدو أن مصر كلها حكاما ومحكومين أمامهم زمن طويل ليتعلموا العفو وعدم الإقصاء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved