لو كان صادق خان مصريًا

أمل أبو ستة
أمل أبو ستة

آخر تحديث: الثلاثاء 10 مايو 2016 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

تخيل معى ابن مصرى أصيل، الخامس بين أشقائه فى أسرة تتكون من ثمانية أبناء ينتمى والداه للطبقة العاملة، يعمل والده سائق أوتوبيس بينما تمتهن والدته الخياطة، يضطر للعمل فى سن صغيرة فى توزيع الصحف تارة وفى أعمال البناء تارة لكى يساعد أسرته التى لا تنفق فقط على الأبناء الثمانية، بل تساعد أفراد أخرى من العائلة أيضا لضيق ذات اليد.

تخيلت؟.. كيف ترى مستقبل ذلك الابن؟ هل سيتمكن من التعلم؟ إلى أين سيصل فى التعليم؟ هل تراه مستحقا للتعليم الجامعى؟ لعلك ترى أنه ينبغى أن يكتفى بشهادة متوسطة وبتعلم حرفة حتى يتكمن من مساعدة أهله. وعلى فرض حصوله على شهادة جامعية، هل تراه مناسبا للعمل كمسئول فى الدولة؟ ربما تعتقد أن فى بيئته البسيطة ما يمنع من تقلده بعض المناصب أو من عمله ببعض المهن التى تحظى باحترام المجتمع وثقته.
***
والآن دعنى أقدم لك ابنا انجليزيا مولودا فى نفس الظروف بالضبط. صادق خان. ذلك المواطن الإنجليزى المولود بلندن والذى برغم كفاحه هو وأسرته المهاجرة من باكستان فى الستينيات من القرن الماضى تمكن من تلقيه تعليما مجانيا جيدا مثله مثل السواد الأعظم من أبناء الشعب الإنجليزى، وهو التعليم الذى ساعده على اكتشاف قدراته فى المناقشة واستخدام الحجة ومكنه من الالتحاق بالجامعة لدراسة القانون والتى كانت مواهبه وقدراته الأكاديمية وليست المادية هى الأصل فى تأهيله لدخولها. وتخرج صادق خان ليتقلد المنصب المشرف الواحد تلو الآخر، فعمل محاميا حقوقيا ومحاضرا زائرا فى جامعة شمال لندن وأصبح نائبا فى البرلمان ومستشارا لرئيس الوزراء ووزيرا مرتين ومؤخرا تم انتخابه عمدة لندن وهو المنصب الأرفع والأهم فى سلسلة المناصب التى تقلدها.

لقد تمكن العمدة صادق خان ذو الخامسة والأربعين ربيعا هو وأسرته من مواجهة كل التحديات التى واجهتهم كونه ينتمى إلى أقلية مهاجرة، غير أبيض، مسلم، ومن أسرة محدودة الدخل.. ولكنه تمكن من مواجهة كل ذلك بفضل نظام عادل إلى حد كبير، نظام يقوم على تكافؤ الفرص، نظام يفرز الأفضل لا الأغنى. ليست يوتوبيا بطبيعة الحال. فإنجلترا تعانى من مواجهة النيوليبرالية التى تدخل معركة شرسة كل يوم أمام نظام يقوم فى الأصل على العدالة الاجتماعية ويبدو أنها قد فازت فى عدة جولات حتى الآن. والنظام العادل الذى أفرز خان لم يعد عادلا كما كان فى الماضى. فسياسات التقشف قد طالت الجامعات منذ بضع سنوات فتضاعفت مصاريفها ثلاثة أضعاف بين يوم وليلة ولم تنجح الحركة الطلابية الواسعة المناهضة لتلك السياسات فى انتزاع حقها بعد وما زالت تطالب بمجانية التعليم العالى إيمانا بدور التعليم فى تقدم المجتمعات.

وبعيدا عن أهمية صادق خان كأول مسلم يتقلد منصب عمادة لندن أو عمادة أى من المدن الكبيرة فى أوروبا، فخان قيادى بحزب العمال الإنجليزى وهو حزب يسارى معتدل يتبنى السياسات المدافعة عن الحقوق والحريات الداعمة للمواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص. ويشير خان فى إحدى حواراته الصحفية إلى أسفه لأن الفرصة التى أتيحت له لتلقى تعليم فى متناول الأيدى لم تعد متاحة للجميع. وهكذا فإن وصول خان لمنصبه الجديد يفتح الآفاق نحو سياسات أكثر عدلا فى إنجلترا.
***
لو كان صادق خان مصريا لكان مصيره فى الغالب موظفا بإحدى الهيئات الحكومية بشهادة متوسطة أو على أقصى تقدير محاميا يلهث وراء أكل العيش والدفاع عن الحقوق والحريات ولما تمكن من تقلد أية مناصب حكومية بدعوى أصوله الأجنبية وبيئته المتواضعة اجتماعيا. لو كان مصريا لما استطاع أن يتلقى تعليما جيدا لأن التعليم المجانى فى مصر ليس كمثيله فى إنجلترا، هو تعليم لا يسمن ولا يغنى من جوع، هو تعليم لا يسلح بالعلم بل يسلح بالشهادة، هو تعليم لا ينمى المهارات ويكشف الملكات ويشجع على الإبداع والتميز ولكنه تعليم يحارب الاختلاف والخروج على المألوف وينتج قوالب جامدة من الفكر.

إن معركة إتاحة التعليم للجميع هى معركة جوهرية لأى تغيير وأى تقدم. انظر إلى أى دولة متقدمة تجد التعليم على قائمة أولوياتها وانظر إلى أى دولة متهاوية تجد التعليم قد سبقها إلى الهاوية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved