كيف تفقدنا الشهرة إنسانيتنا

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الأحد 10 مايو 2020 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

ظهرت فى الآونة الأخيرة مجموعة من المظاهر غير المستحبة طمعا فى الشهرة أو أخذ اللقطة كما عبر عنها الكاتب د. عمرو الشوبكى فى عموده اليومى، وفى رأيى أن السعى وراء الشهرة فى وقت يعانى فيه الناس من أزمة خطيرة يؤثر سلبا على الفرد والإنسانية عموما، واستخدام شبكات التواصل الاجتماعى فى تمييز الناس وإضافة الشهرة عليهم ليس هذا وقته إطلاقا، حيث يقول الخبراء أن مستخدمى الفيسبوك أكثر من 2 مليار مستخدم، هذا يعنى أن هناك عددا مهولا من البشر يُسلط عليهم فكرة الشهرة التى لا تخدم إنسانيتهم، وهنا نضرب مثلا على ما يحدث فى مصر؛ محافظ إحدى المحافظات قرر فصل مدير المستشفى عندما رقص الناس فرحا احتفاء بشفاء أحد المصابين بفيروس كورونا، هل هذا الموقف الذى اتخذه المحافظ تجاه مدير المستشفى يؤدى به لإذاعة شهرته ولفت الأنظار إليه رغم تصرفه الذى أثار حنق وغضب الكثيرين؟ هل الفرح الذى نحتاجه فى هذا الزمن خطيئة وذنب يعاقب عليه البشر؟ فى اعتقادى أن هذا الإجراء يعصف بالعواطف الجياشة التى نحتاجها جميعا فى هذا الزمن.
***
نريد أن نضيف إلى هذه الفكرة ما تفعله برامج التلفزيون الرمضانية فى تجسيد فكرة الشهرة والوجاهة، فهل هذه الشخصيات التى تستضيفها المخرجة المشهورة تستحق عرضها على الناس والعمل على شهرتهم وزيادتها؟ حيث إنها تتعمد أن تعرض أشخاص لا يُعرف عنهم أنهم يؤدون شيئا إيجابيا للمجتمع، وهل ما تقوم به برامج «المقالب» وما تحويه من إسفاف يؤدى إلى أى نتائج إيجابية حتى ولو من قبيل التسلية؟ ــ فللأسف الأجور العالية فى هذه البرامج تؤدى إلى تشوهات كثيرة وقبول الإهانة فى مقابل مبالغ ماليةــ وقد ذكر الدكتور أسامة الغزالى فى عموده اليومى أن إحدى الفنانات حصلت على 2 مليون دولار مقابل ظهورها فى أحد هذه البرامج رغم أن مقدم البرنامج أساء إليها إساءات بالغة ومهينة، والتوجه إلى صغار السن بهذه المشاهد وسماع ألفاظ غير مهذبة تؤثر عليهم تأثيرا كبيرا وتدفعهم للبحث عن الاهتمام والشهرة بأى طريقة رغم ما ينتج عن هذه البرامج، ومحاولة تقليد المشاهير للوصول إلى شهرتهم.
ونريد أن نذكر أيضا ماذا كانت البرامج الرمضانية تقدم فى الزمن الماضى، حيث كانت تقدم برامج مثل هذه ولكن بشكل ألطف بعيدا عن استخدام الألفاظ البذيئة والشتائم، والسؤال هنا أين أصحاب المواهب الحقيقية الذين أثروا الحياة العلمية والثقافية، ويجب أن يسلط الضوء عليهم بدلا من تسليط الضوء على منعدمى الكفاءة، وتغذية عقول الجيل الصغير بأن هذه هى الطريقة الوحيدة للنجاح الذى يؤدى بهم إلى السطحية وتغييب العقل، لأن من وظائف الإعلام هو التوعية والتنوير وليس الاستخفاف بعقول الناس وحشر مفاهيم سخيفة فى أذهانهم. والخطورة تأتى أنه ونحن فى زمن كورونا لا يجد الإنسان الملتزم فى بيته إلا أن يشاهد هذه البرامج البائسة. وكل هؤلاء الذين تستعرضهم البرامج عانوا كثيرا فى بداية حياتهم ويصر مقدمى البرامج أن لا يتركوا هذا الضيف الذى لا يملك بعضهم أقل قدر من الثقافة إلا ويذكروه بماضيه، وتصر مقدمة البرنامج ألا تتركه حتى يبكى، هذه المشاهد مؤسفة وتؤثر فى الأجيال الصغيرة.
إلى جانب استخدام الأطفال فى شهرة بعض الآباء والأمهات مثل ما فعله أحمد حسن وزوجته زينب اللذين استغلا ابنتهما الرضيعة لغرض تجارى وتحقيق الربح والشهرة، وهذا يتنافى مع تعريض الطفل للخطر وفقا للمادتين 96 و99 مكرر من قانون الطفل رقم 12 لسنة 96 والمعدل للقانون رقم 126 لسنة 2008 «يعاقب الزوجان بنص المادة 291 من قانون العقوبات بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنية». هل نستطيع أن نطبق هذا القانون بحزم على من يريد استخدام الأطفال من أجل الشهرة؟!
ولتأكيد فكرة أن بعض البرامج تؤثر على الناس تأثيرا مباشرا؛ ما ذكره البيان الإعلامى الذى أصدره مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية حيث تكلم عن أحد البرامج الرمضانية «رامز مجنون رسمى» وبموضوعية شديدة ذكر البيان: أن مقدم البرنامج يتلذذ بالآلام التى يسببها للآخرين وممارسة التنمر عليهم وسط ضحكاته بما يتنافى مع آدمية الإنسان والإنسانية، وتعرض البيان أيضا لاسم البرنامج حيث يسىء للمرض النفسى والمريض النفسى إلى جانب تأثير ذلك على الأطفال، ومن فقرات البيان عن مشهد التعذيب بالكهرباء أو الوسائل الأخرى والذى يحض على سلوك إجرامى وتصويره بشكل ساخر، هذه النقطة بالذات شديدة الأهمية حيث تدعو المجرمين لإستخدام هذا السلوك مع من يختلفون معه، ويقدموا لهم أساليب إجرامية يحرمها القانون والمواثيق الدولية، ويمكن للأطفال أن يمارسوها مع أقرانهم.
***

لماذا نطرح هذا الموضوع للنقاش فى هذا الوقت تحديدا؟ لأن الآثار النفسية لجائحة كورونا سوف تؤثر تأثيرا كبيرا على الصحة النفسية لجيل كامل، وإذا لم نوقف هذه المهازل التى تكلمنا عنها ستكون الآثار مضاعفة، فالعمل على الاهتمام بالصحة النفسية سوف يكون له مردود كبير فى المستقبل، فيكفينا ما سوف يحدث بعد كورونا والتنبؤ إلى أن الذى يحدث الآن مدمر وخطير للجيل الحالى، فيجب أن نهتم بالإنتاج ورجاله، هذا هو المخرج الحقيقى لتخطى الأزمة التى نعيشها بأن يقوم الإعلام بإشهار شخصيات فاعلة ومنتجة وليست عالة على المجتمع، لأن الظرف التاريخى الآن يحتم أن نكون دولة منتجة وليست دولة مستهلكة، فالأزمة الاقتصادية القادمة خطيرة وشديدة الوطأة على أحوال البشر، وتسليط الضوء على من يعمل على تقدم المجتمع وتقديم علمه وكفاءته على وسائل الإعلام، والقضاء على ظاهرة رغبة البعض فى الحصول على مال بدون أى مشقة أو مردود على المجتمع المصرى إيجابيا، ونترك هؤلاء المضطربين نفسيا لأن يعيشوا فى أوهامهم عن الشهرة، هذا وقت جاد جدا لبناء الدولة، فهل لنا وقفة مع إعلامنا المصرى لتحسين المسار وتقديم الأفضل للشعب المصرى فى هذه المرحلة المهمة فى بناء الوطن من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved