أمريكا والعرب والقدس.. ما الذى تغير؟

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 10 مايو 2021 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

أليست مفارقة أن يكون الموقف الأمريكى الرسمى مما يحدث من اعتداءات إسرائيلية على القدس والمقدسيين هذه الأيام أكثر قوة نسبيا مقارنة ببعض المواقف العربية؟!
لا أعنى بكلامى أن الموقف الأمريكى صار مؤيدا للفلسطينيين، ولكن أتحدث عن التغيرات النسبية لإدارة جو بايدن الحالية مقارنة بموقف إدارة دونالد ترامب السابقة.
نعلم جميعا أن كل الرؤساء الأمريكيين ديمقراطيين وجمهوريين، وعدوا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس العربية المحتلة، خلال حملاتهم الانتخابية، لكنهم جميعا تراجعوا عن تنفيذ هذا الوعد، لكن ترامب كسر كل هذه القواعد، ونقل السفارة للقدس، وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، وعن منظمة الأونروا التى ترعى اللاجئين الفلسطينيين، وأغلق مكتب منظمة التحرير فى واشنطن، واعترف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية المحتلة والجولان العربى السورى المحتل، واخترع «صفقة القرن» التى تعنى عمليا تصفية القضية الفلسطينية.
ترامب أيضا ضغط على العديد من البلدان العربية لتقيم علاقات مع إسرائيل.
سقط ترامب غير مأسوف عليه من الفلسطينيين وغالبية العرب، وجاءت إدارة الرئيس الديمقراطى الجديد جو بايدن فى ٢٠ يناير الماضى.
بايدن أعاد العلاقات مع الفلسطينيين واستأنف الدعم الإنسانى للأونروا، والأهم أنه رفض الاعتراف بصفقة القرن، وأكد موقف بلاده الداعم لحل الدولتين.
صحيح أن بايدن لم يستطع أن يعيد السفارة لتل أبيب كما كانت قبل ٤ سنوات، لكنه على الأقل لم يساير الطموحات الليكودية فى إنهاء القضية الفلسطينية للأبد.
لكن ما هو الجديد الآن؟
قبل أيام تحاول إسرائيل طرد عشرات الأسر الفلسطينية من حى الشيخ جراح وبلدة سلوان فى القدس العربية، بحجة أن ملاك هذه المنازل كانوا من اليهود قبل عام ١٩٤٨، وتواصل محاولات تهويد المسجد الأقصى بدون كلل أو ملل.
الفلسطينيون تصدوا بكل بسالة للمحاولات الإسرائيلية دفاعا عن الأقصى والقدس، وأصيب منهم المئات منذ يوم الجمعة الماضى.
الجديد نسبيا هو الموقف الأمريكى المختلف الرافض لما يحدث الآن فى القدس وأكرر أنه مختلف مقارنة بموقف إدارة ترامب.
يكفى أن نقرأ فى بيان الخارجية الأمريكية الصادر يوم السبت الماضى هذه العبارات: «تعرب أمريكا عن القلق البالغ إزاء احتمال إجلاء عائلات فلسطينية من منازلها فى حى الشيخ جراح وحى سلوان فى القدس، خصوصا أن الكثير من هذه العائلات تعيش فى هذه المنازل منذ أجيال، وينبغى تجنب الخطوات التى تؤدى إلى تفاقم التوترات أو تبعدنا عن السلام ويشمل ذلك عمليات الإخلاء والنشاط الاستيطانى وهدم المنازل، ونحث السلطات الإسرائيلية على التعامل برأفة مع سكان الشيخ جراح والنظر فى مجمل هذه الحالات التاريخية المعقدة وتأثيرها على حياة الناس الفعلية اليوم».
ولا يمثل الموقف الأمريكى الجديد تغيرا جوهريا فى التزام أمريكا الثابت فى حماية إسرائيل وأمنها وجرائمها. وسيقول البعض، إن ما ورد فى البيان مجرد عبارات إنشائية بلا قيمة، ونسمع عن مثلها كل يوم من عواصم كثيرة فى العالم!!
وقد يستشهد البعض بما جاء فى بيان وزارة الخارجية الفلسطينية يوم أمس الإثنين حيث قال نصا: «يتضح أن إدارة بايدن لا تريد أن تخرج من الأطر التى رسمتها وحددتها الإدارة السابقة، وما زالت بترددها توفر الغطاء والحماية لإسرائيل وجرائمها، وتتساهل فى وصف الجرائم التى ترتكبها إسرائيل، بينما تدين وتنتقد بشدة أى عمل يقوم به الجانب الفلسطينى دفاعا عن النفس وبطريقة سلمية، كما تحاول أن تساوى بين الضحية والجلاد وكأننا طرفان متساويان بنفس القدرات والإمكانيات، وأحيانا تعطى الإدارة الأمريكية الانطباع بأن الفلسطينيين هم الذين يعتدون على تل أبيب والقدس الغربية. كنا نأمل ونتوقع من الإدارة الحالية أن تفتح عينيها لترى حقيقة ما يحدث فى الأرض الفلسطينية المحتلة، والتى تفيد بأن إسرائيل ليست فقط دولة احتلال وإنما حسب عديد التقارير الأممية هى دولة أبرتهايد واضطهاد عنصرى بامتياز».
كل ما سبق صحيح، لكن مرة أخرى وحينما تنتقد الإدارة الأمريكية بعض الممارسات الإسرائيلية، فهذا تطور مهم جدا، قد يؤدى إلى عرقلة خطط إسرائيل فى تصفية القضية الفلسطينية، ولكن بشرط أن يصاحبه موقف عربى وفعال، والأهم موقف فلسطينى موحد، بدلا من الخلافات المشتعلة بين الأطراف الفلسطينية منذ عام ٢٠٠٧.
السؤال: هل المواقف الفلسطينية والعربية ترقى إلى مستوى الحد الأدنى من مواجهة ما تريد أن تفعله إسرائيل فى القدس والأقصى وعموم فلسطين؟!
للأسف الإجابة هى لا، وهو موضوع يستحق مزيدا من النقاش لاحقا إن شاء الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved