سلاح الابتسام الفلسطينى

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 10 مايو 2021 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

منذ اليوم الأول من شهر رمضان الذى يكاد يطوى آخر أيامه الكريمة، توسعت قوات الاحتلال الإسرائيلى فى عمليات القمع والتنكيل بالفلسطينيين الذين توجهوا إلى المسجد الأقصى لممارسة شعائرهم الدينية، وإحياء ليالى الشهر الفضيل، وقامت باقتحام المسجد المبارك عشرات المرات، فى محاولة لتخويف وترويع المقدسيين، والحد من تأكيد هوية مدينة القدس العربية المحتلة.
وأمام الوحشية الإسرائيلية، وإطلاق قطعان اليهود المتطرفين للتحرش بالفلسطينيين على أعتاب البلدة القديمة لإقامة احتفالات يتعمدون بها إفساد إقامة الصلاة داخل المسجد الأقصى، اشتعل الموقف وتصاعدت الأحداث يوما وراء الآخر، وراحت قوات الاحتلال تصيب بغازها الخانق ورصاصها المطاطى العشرات من الفلسطينيين المرابطين داخل المسجد المبارك، وسط صمت وتجاهل من غالبية دول العالم التى أعمى انحياز بعضها لإسرائيل عن الالتفات لما يدور.
لم يكتف المحتل الإسرائيلى بمحاصرة المسجد الأقصى، ومنع وصول المصلين إليه، وتكرار عمليات اقتحامه، بل فتح صفحة جديدة فى سجل تهويد القدس بمحاولة إخلاء أبناء حى الشيخ جراح من مساكنهم تحت زعم امتلاك إسرائيليين لها، وهو ما فجر الموقف أكثر، ودفع سكان الحى الفلسطينيين بالقدس المحتلة إلى التظاهر دفاعا عن حقوقهم التى يحاول الاحتلال سلبها منهم، كما فعل من قبل مع غيرهم داخل القدس، وباقى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
ولأن الفلسطينيين لا يعدمون الوسائل لإظهار تحديهم لآلة القمع والوحشية الإسرائيلية، برزت هذه المرة الفتاة المقدسية مريم العفيفى عازفة الكونتراباص فى فرقة بنات القدس، وأوركسترا فلسطين للشباب، لتعزف لحن التحدى والصمود فى وجه الاحتلال الذى يتوهم قادته أن الأيام كفيلة بالقضاء على القضية الفلسطينية التى تخلى عنها، للأسف، بعض من الأعراب تشبثا بعروش واهية.
وخلال مشاركتها فى اعتصام سكان حى الشيخ جراح، ضد محاولات الاستيلاء على منازلهم، قام جنود الاحتلال باعتقال مريم العفيفى بطريقة تعكس مدى الحقد والغل الذى يملأ صدورهم، وأظهر مقطع فيديو تداوله، بشكل واسع، رواد بمواقع التواصل الاجتماعى، وعدد من الفضائيات، والمواقع الإخبارية، لحظة اعتقال الشابة الفلسطينية، التى ظهر معدنها الصلد، فلم تجزع أو تخف، وأطلقت وهى مكبلة بالأصفاد ابتسامة ساخرة تحدت بها عنف جلاديها.
مريم لم تكتف بسلاح الابتسامة الساخرة بعد ضربها وسحلها على الأرض، بل راحت تعطى واحدا من الجنود درسا فى الأخلاق والإنسانية التى لا يعرفها الإسرائيليون بطبيعة الحال، ولا يقدرها مناصروهم فى الغرب، أولئك الذين يذرف بعضهم الدموع الحارة على موت الحيوانات الأليفة، وتلك المهددة بالانقراض، ويتجاهلون معاناة بنى جلدتهم من البشر الذين ينكل بهم ليل نهار، فى نفاق رخيص يعكس زيف عواطفهم.
سلاح الابتسام الذى استخدمته مريم العفيفى، لجأ إليه عشرات من الشباب والأطفال الفلسطينيين، وأطلقوه بكثافة لحظة اعتقالهم فى السنوات الأخيرة، كما تظهر العديد من الصور المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعى، فى رسالة تؤكد أصرار الفلسطينيين على الدفاع عن حقوقهم ومقدساتهم بكل الوسائل المتاحة، والتأكيد على أن شعب الجبارين قادر تحت أحلك الظروف على هزيمة عدوه، وإن تسلح بالحديد والنار.
حركت ابتسامة مريم مشاعر ملايين العرب من المشرق إلى المغرب، وأجبرت فى الوقت ذاته بعض المتخاذلين على المسارعة لتحريك آلة الشجب والإدانة، علها تستر عورة البعض منهم، قبل أن تعيد التأكيد على أن القضية الفلسطينية مثل العنقاء تنهض من تحت الرماد كلما ظن المرتجفون أنها ماتت، ولهذا ستظل «فلسطين قضيتى» وقضية كل عربى شريف يدرك أن الحقوق تنتزع ولا يتم استجداؤها بالتوسلات، وهذا هو درس الشيخ جراح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved