لماذا يخفق الإسلاميون فى مصر؟

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 10 يونيو 2013 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

كتبت على هذه الصفحة منذ شهر عن أزمة المعارضة المدنية فى مصر، ووعدت أن أكتب عن أزمة القوى الحاكمة الإسلامية، وتشمل هذه القوى ليس الإخوان المسلمين وحدهم، ولكنها تضم أيضا السلفيين والجماعة الإسلامية والمنبثقين عن تنظيم الجهاد.

 

ومع أن الإخفاق هو فى المحل الأول إخفاق الإخوان المسلمين باعتبارهم الفصيل الذى يتحكم فى السلطة التنفيذية، إلا أن الفصائل الإسلامية الأخرى تشارك فى الحكم باعتبار وجودها فى مجلس الشورى الذى آلت له سلطة التشريع بموجب دستور 2012، والتى يمارسها بكل همة ولكن ليس باقتدار.

 

أسباب الإخفاق تتعلق بصميم المشروع الذى ترفعه هذه القوى وبقلة تجربتها فى ممارسة الحكم وبموقفها من الآخر أيا كان امرأة أو غير إسلامى أو غير مسلم، وبتقديم مصلحة الفصيل على مصلحة الوطن.

 

بعض أسباب الإخفاق مشتركة بين الإسلاميين وغيرهم من القوى السياسية المدنية، فقد ورثت جميعها تركة مثقلة من النظام السابق، كما أحدثت ثورة يناير انهيارا لأجهزة الأمن وبعض الاضطراب فى الاقتصاد، ولكن لم يتح لأى من هذه القوى، سواء الإسلاميون أو القوى المدنية أن تشارك فى حكم مصر على أى مستوى، بما فى ذلك المستوى المحلى، قبل ثورة يناير. هذه كلها صعوبات تعانى منها كل هذه القوى، ولكن إذا كان من الممكن للقوى المدنية أن تتعلم تدريجيا لو وصلت إلى السلطة كيف تنجح فى إدارة الدولة.

 

ويواجه الإسلاميون عقبات أشد، تكاد تكون خلقية تحول بينهم وهذا التعلم. وهذا واضح كل الوضوح فى حالة الإخوان المسلمين الذين لا يبدون بعد عام من امتلاكهم سلطة الدولة أنهم تلقوا درسا نافعا، أو أنهم يغيرون من ذات الأساليب التى كانت سمة حكمهم الانفرادى المتعالى قليل الخبرة منذ يونيو 2012.

 

••• 

 

أول اسباب الإخفاق هى ذات المشروع السياسى الذى ترفع رايته كل القوى الإسلامية. نعم هم يريدون إقامة المجتمع الإسلامى. أو تطبيق شرع الله. فلننس مؤقتا أن الشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه من أكثر شعوب العالم تدينا، ولكننا لا نعرف ما هى معالم هذا المشروع المسمى بالإسلامى لا فى الاقتصاد ولا فى السياسة ولا فى إدارة شئون المجتمع.

 

ما يخرج من تلميحات عن هذا المشروع مثل الحديث عن إقامة دولة الخلافة استهانة بالقوميات وبالدولة القطرية ليس فقط حديثا غير واقعى، كيف نجمع المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها ونحن عاجزون عن إنجاز مصالحة حقيقية بين حماس وفتح، وكانت الأخيرة فى بداياتها قريبة من الإخوان المسلمين، بل وبعضنا لا يسمح للشيعة فى مصر بأن يمارسوا حقوق العبادة، بل ويرفض مجرد استقبال السياح الإيرانيين.

 

بل وفى الوقت الذى تعانى فيه الدولة القومية مشاكل جمة بفعل عملية العولمة وثورة الأقليات يهرب الإسلاميون إلى الأمام بالحديث عن دولة الخلافة بدلا من تمكين هذه الدولة القومية من القيام بدورها فى التنمية وتعميق المشاركة السياسية.

 

وفيما عدا ذلك فما نعرفه عن المشروع السياسى لتلك القوى هو عداؤه للحريات الأساسية للمواطنين بما فى ذلك الحق فى المساواة أمام القانون بصرف النظر عن الدين أو النوع، وحقوق الاعتقاد والتعبير والتنظيم. وهنا نحن لا نبادر بإطلاق الاتهامات، ولكن الممارسات على أرض الواقع تغنينا، من سيطرة مفروضة على الصحف القومية وحصار للقنوات التليفزيونية الخاصة ومشروع قانون للجمعيات يضعها تحت رقابة أجهزة الأمن.

 

عندما نبحث عن الأسس الفكرية للسياسات التى ينتهجها الإخوان المسلمون لا نجد كتابات تخاطب واقع مصر فى القرن الحادى والعشرين. توقف الاجتهاد عند الإخوان المسلمين باستشهاد سيد قطب.

 

وهكذا أصبحت مراجعهم النظرية هى كتابات المرشد الأول للجماعة وسيد قطب. ومع كل الاعتراف والتقدير للعبقرية التنظيمية لحسن البنا ولعظمة بعض كتابات سيد قطب ومأساة حياته وهو الذى تعاون فى البداية مع نظام ثورة يوليو الذى قضى بسجنه ومحاكمته وإعدامه فى منتصف الستينيات، إلا أن أيا منهما لم يكن منشغلا بقضايا بناء الدولة.

 

ومع ذلك لا يجد الإخوان المسلمون غير ذلك من كتابات ترشدهم، وهم حتى فى هذه الناحية أفضل نسبيا من قوى إسلامية أخرى لا تعالج هذه القضايا المسماة بفقه الواقع اكتفاء بفقه الجهاد أو المقاومة.

 

•••

 

طبعا ليس من المستحيل التغلب على هذه العقبة لو كان هناك استعداد للتعلم من الآخرين، ولكن الموقف الإسلاموى من الآخرين هو موقف الاستعلاء أو الرفض أيا كان هذا الآخر.

 

المسلم المصرى ممن لا ينتمى إلى هذه القوى هو مسلم ضال تنبغى هدايته. ولو كان حزبا سياسيا فيمكن استخدامه مطية للوصول إلى السلطة. ولو كان خبيرا فى مجاله فلن تسمع نصيحته طالما أنه لا ينتمى إلى الجماعة. ولو كان الآخر حضارة أجنبية فنحن نستورد آلاتها فقط وندين كل إنجازها الفكرى كما لو أن الإنجاز المادى لا يستند إلى فكر راق وتنظيم اجتماعى. ولو كان دولة قوية فالإسلاميون يهادنونها ولو إلى حين.

 

وأخيرا يقدم الإسلاميون فى مصر مصلحتهم كقوى سياسية على مصلحة الوطن. هذا هو الاستنتاج الذى يخرج به المراقب من دراسة تخاذل القيادة الحاكمة فى مصر فى التعامل مع ملف الجماعات المسلحة فى سيناء والتى تقتضى المصلحة الوطنية فرض سيادة الدولة على كل شبر من أرضها، ولكن لأن هذه الجماعات تدعى أنها ترفع راية الإسلام، تتردد هذه القيادة فى اتخاذ ما يلزم لتحقيق ذلك.

 

قد لا يهم الإسلاميون أن الوطن يخسر كثيرا نتيجة قصورهم عن النظرة النقدية لمشروعهم السياسى وأسسه النظرية وموقفهم من الآخر، ولكن ألا يدركون أيضا أنهم قد يكونون الحلقة الأولى فى مسلسل تراجع ما يحبون تسميته بالصحوة الإسلامية؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved