تحديات عمل رئيس الوزراء فى مصر

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الأحد 10 يونيو 2018 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

لم يعد اختيار رئيس وزراء جديد فى مصر حدثا يهتم به الرأى العام المحلى فضلا عن العربى أو الدولى، ويتابعه المواطنون بكل شغف، وينتظرون معه جديدا فى حياتهم أو فى علاقات بلدهم بالدول الأخرى؟ لم يكن ذلك الحال دائما فى مصر. مقدم مصطفى النحاس أو اسماعيل صدقى لرئاسة الحكومة فى مصر فى العهد الملكى كان يحدث انقساما فى الرأى العام، وتوقعات متباينة بين أنصار رئيس الوزراء الذاهب والرئيس الآتى. لم يعد ذلك هو نفس الأمر ليس فقط لأن مصر انتقلت بسقوط النظام الملكى وقيام الجمهورية من حكم برلمانى يتولى فيه رئيس الحكومة جميع السلطات التنفيذية دستوريا حتى وإن كان الملك يتدخل فى كثير من الأمور، وتحولت بعد ذلك إلى نظام رئاسى رئيس الدولة فيه هو أيضا رئيس السلطة التنفيذية، ولكن لأنه حتى فى ظل هذا النظام الرئاسى، والذى سعى دستور 2014 إلى تعديله بدون جدوى، بقى لكل رئيس عرفته مصر منذ 1956 أسلوبه الخاص فى إدارة شئون السلطة التنفيذية، ويمكن القول دون أى مبالغة إن مقدار الاستقلال الذى يتركه الرئيس السيسى لرئيس وزرائه فى ظل هذا الدستور هو جد محدود حتى بالمقارنة بأسلافه فى العهد الجمهورى.
وسوف يتلمس هذا المقال عناصر التطور فى مكانة رئيس الوزراء، قبل أن يطرح بعض التوقعات بالنسبة لحكومة يترأسها الدكتور مصطفى مدبولى الذى كلفه الرئيس السيسى بتشكيل الحكومة بعد أن أدى اليمين الدستورية مفتتحا مدته الثانية رئيسا للجمهورية مثلما يقضى الدستور.

• علامات التطور

علامات التطور فى مكانة رئيس الوزراء فى مصر المستقلة عديدة، تتراوح ما بين ركائز السلطة التى يستند إليها، وعلاقته برئيس الدولة، ومدى نفوذه داخل مجلس الوزراء، وحتى خلفيته المهنية والوظيفية. رؤساء الوزارات فى العهد الملكى كانوا غالبا قادة أحزاب سياسية أو يستندون بوضوح لبعضها، استند رؤساء الوزارات الوفديون، وهما كل من سعد زغلول ومصطفى النحاس إلى كونهم يأتون إلى السلطة بإرادة شعبية ظهرت فى انتخابات حرة ونزيهة، أما رؤساء الوزرات الآخرون فقد استندوا إلى أحزاب أقلية أو إلى إرادة ملكية مدعومين من هذه الأحزاب. ولذلك شاب التوتر غالبا علاقة رئيس الوزراء الوفدى بالملك سواء كان فؤاد أو فاروق، وكان تفسير الدستور هو محل الخلاف بينهما، الوفديون يفسرونه على نحو يعظم من دور الإرادة الشعبية فى الحكم، والقصر يفسر على نحو يبقى للملك كثيرا من السلطات، وربما كان ذلك واحدا من أهم الأسباب التى حدت بالملك إلى إحلال رؤساء من أحزاب الأقلية أو رؤساء غير حزبيين مكان رؤساء الوفد، والذين أيقنوا أن بقاءهم فى السلطة رهن بالاستمرار فى كسب ولاء الملك، ولذلك لم ينازعوه ما كان يريد ممارسته من سلطات، ولكن فى كل الأحوال استمر كل رؤساء الوزارات فى العهد الملكى يمارسون سلطات واسعة فى اختيار وزرائهم وفى إدارة شئون الحكومة مع تنازلات للملك فى تعيين كبار ضباط الجيش والشرطة ورجال الإدارة. أما فى العهد الجمهورى ونظامه الرئاسى فرئيس الدولة هو رئيس الحكومة، هذا ما فعله نجيب وعبدالناصر والسادات ومبارك، أو هو يترك رئاسة مجلس الوزراء لمن يثق فى قدرته على تنفيذ سياساته، وكان رئيس الدولة يشارك فى اختيار بعض الوزراء، تاركا الوزارات التى لا يهتم كثيرا بها لمن رشحه رئيسا للوزراء. وظل كل رؤساء الدولة فى العهد الجمهورى يهتمون أساسا بقضايا الأمن والدفاع والشئون الخارجية والعدل والإعلام، فهم الذين يختارون من يشغل هذه الوزارات، وربما يتركون لرئيس الوزراء المعين حرية اختيار الوزراء الآخرين، مع مساعدته فى الاختيار فى بعض الحالات. ولكن توحى ما تداولته الصحف فى عهد الرئيس السيسى أن رئيس الوزراء الجديد كانت تعرض عليه قائمة من الأسماء المرشحة لتولى هذه الوزرات الأخرى، ويقوم هو بالاتصال بأصحابها ليدعوهم للعمل معه. وتأتى هذه الأسماء من رئيس الجمهورية بعد أن تنال موافقة أجهزة الأمن والرقابة الإدارية للتأكد أنه لا توجد لدى هذه الأجهزة أسباب لرفض بعضهم.
وكان كل رؤساء مجلس الوزراء فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر من الضباط السابقين وغالبا من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، وتوسع كل من الرؤساء الذين لحقوه فى خلفيات من يختارونهم لرئاسة المجلس، اختارهم السادات من بين الوزراء السابقين الذين خدموا فى وزارات الخارجية والصناعة والمالية والمواصلات فى وزارات سلفه عبدالناصر أو من العسكريين وضباط الشرطة، واستمر تقليد الميل إلى المهندسين بين المدنيين، اثنان من رؤساء وزارات السادات كانا من المهندسين، أما مبارك فكانت دائرة اختياره أوسع، تجاوزت أحيانا الوزراء السابقين والمهندسين والعسكريين، فاختار ثلاثا من أساتذة الجامعات المتخصصين فى شئون المالية والإدارة، ورابعا كان وزيرا للتخطيط، بل أول رئيس لوزرائه أستاذا للطب ووزيرا سابقا وهو الوحيد من بينهم الذى كانت له خلفية سياسية وحزبية وهو المرحوم الدكتور فؤاد محيى الدين، وكانت آخر اختياراته أستاذا جامعيا مهندسا ثم قائدا سابقا لسلاح الطيران فى أعقاب ثورة يناير 2011. أما الرئيس السيسى فهو أميل لاختيار مهندسين ممن سبق لهم العمل فى الحكومة أو القطاع العام، وكان ذلك حال المهندسين إبراهيم محلب وشريف اسماعيل وأخيرا الدكتور مصطفى مدبولى.
وعلى الرغم من أن كلا من دستور 1971 و2014 يدعوان مجلس الوزراء للمشاركة مع الرئيس فى صنع السياسات العامة، فإن رئيس الوزراء فى العهد الجمهورى أصبح أقل استقلالا فى تصريف شئون الحكومة، باستثناء الحالات التى جمع فيها رئيس الدولة المنصبين معا. فليس هناك دور لرئيس الحكومة فى توجيه وزارات الدفاع أو الداخلية أو العدل أو الإعلام. كما أن أولويات الاقتصاد تتأثر كثيرا بالسياسات الاقتصادية وتفضيلات رئيس الجمهورية. وعلى عكس رؤساء الجمهورية السابقين الذين تركوا مساحة واسعة لرئيس الوزراء فى تصريف شئون مجلس الوزراء، أصبح الرئيس السيسى مهتما بمتابعة عمل معظم الوزارات، فى الداخل والخارج، وكثيرا ما أظهرته الصحف وهو يجتمع ببعض الوزراء لمناقشة أمور وزاراتهم، بحضور رئيس مجلس الوزراء وأحيانا بدون وجوده. كما ناقش أمور بعض الوزارات فى الخارج بدون وجود الوزير المختص معه.
***
كل هذه التطورات ألقت بظلالها على مدى اهتمام الرأى العام بشخص رئيس الوزراء، وحتى باهتمام رؤساء الوزارات بالرأى العام. رؤساء الوزارات من السياسيين الحزبيين قبل الثورة كانوا يهتمون بحشد المواطنين وراءهم من خلال أنشطتهم الحزبية والصحف المعبرة عن توجهاتهم. وكانوا جلهم من رجال القانون الذين يعرفون بفضل خلفياتهم المهنية والحزبية كيف يخاطبون الرأى العام، وحتى عندما كانوا ينتمون إلى أحزاب الأقلية أو من غير الحزبيين كانوا يدركون أن مساندة الرأى العام لهم أمر ضرورى. أما فى ظل العهد الجمهورى ونظامه الرئاسى، فرؤساء الحكومة الذين يختارهم رئيس الدولة وفى نظام غير ديمقراطى، يعرفون جيدا أن بقاءهم فى مناصبهم رهن برضاء رئيس الدولة عنهم، ولذلك لم يكونوا فى معظمهم يهتمون أصلا بمخاطبة الرأى العام، وكان أكثرهم تجنبا للتواصل مع الرأى العام هو المرحوم الدكتور عاطف صدقى الذى رأس مجلس الوزراء فى عهد الرئيس حسنى مبارك قرابة تسع سنوات وتلاه على هذا الطريق مع الرئيس السيسى الدكتور شريف اسماعيل والذى ظل رئيسا للوزارة قرابة ثلاث سنوات. وكانت الاستثناءات محدودة للغاية مثل المرحوم الدكتور عزيز صدقى فى عهد الرئيس السادات والمهندس إبراهيم محلب فى عهد الرئيس السيسى. وربما كان ميل رئيس الوزراء أو بعض الوزراء لمخاطبة الرأى العام واكتساب قدر من الشعبية واحدا من أسباب جفوة بينهم ورئيس الدولة. يضاف إلى ذلك أن الخلفية التكنوقراطية لمعظم رؤساء الوزارات فى ظل كلا من الرئيسين مبارك والسيسى تجعلهم أقل اكتراثا بالرأى العام، فهم بحسب اعتقادهم أعلم بشئون وزاراتهم وبالشئون التنفيذية عموما والتى يقدرون أن عامة المواطنين لا يفقهونها، ويرون أن مخاطبة المواطنين أو حتى الخبراء الآخرين هى مضيعة للوقت. ولعل غياب مناقشة عامة لقضايا إصلاح التعليم أو العاصمة الإدارية الجديدة هو خير دليل على ذلك.
***
هل يختلف الأمر مع رئيس وزراء جديد؟ كلنا نتمنى للدكتور مدبولى أن ينجح فى إدارة شئون الحكومة خلال الفترة القادمة التى يواجه فيها الشعب آثار المضى فى تنفيذ ما يسمى ببرنامج إصلاح اقتصادى ذاق منه المصريون حتى الآن ارتفاع نفقة المعيشة واتساع الفقر، وسيعرفون فى الشهور القادمة المزيد من ارتفاع الأسعار وضرورة سداد المديونية الحكومية الداخلية والخارجية. مما يشير إلى ضرورة الانتظار أعواما أخرى حتى يتذوق المصريون النتائج الإيجابية لهذا الإصلاح الاقتصادى كما تعدهم بذلك الحكومة.
ولكن الدكتور مدبولى، حتى مع معرفته العميقة بشئون الإسكان وتخطيط المدن، لم يطرح رؤية واسعة لمشاكل الوطن تعينه على الاضطلاع بمهام منصبه وتوجيه الحكومة. السبب فى ذلك واضح وهو أن صانع السياسات الحقيقى هو الرئيس عبدالفتاح السيسى، كما أن صانع السياسات الاقتصادية هو صندوق النقد الدولى والذى تلتزم الحكومة بتنفيذ اتفاقها معه لمدة عامين قادمين. وربما يعفى ذلك الدكتور مدبولى من عبء التفكير فى سياسات الدفاع والأمن والعدالة وقضايا الاقتصاد، فضلا عن الحريات وحقوق الإنسان. ولكن ذلك لا يقلل من احتمال رضاء الرئيس عن إدارته للحكومة، فقد كان توجيه الرئيس له فى الاجتماع الأول الذى عقده معه ومع المهندس شريف اسماعيل فى أعقاب أدائه لليمين الدستورية فى مجلس النواب هو الإسراع فى تنفيذ برنامج المدن الجديدة وفى مقدمتها العاصمة الإدارية. هذه هى الأولويات التى حددها له الرئيس، وبقدر نجاحه فى اتباع هذه الأولويات يكون رضاء الرئيس عنه. هذه هى حدود مسئولية رئيس الوزراء فى نظامنا السياسى الراهن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved