تاريخنا الذى نجهله

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: السبت 10 يوليه 2010 - 10:03 ص بتوقيت القاهرة

  جسدت حياة الدكتور نصر حامد أبوزيد ــ بصورة مبهرة ــ كل معالم الاضطراب والالتباس والتناقضات فى حياتنا الفكرية والدينية والسياسية.. وقد كان الرجل واحدا فى سلسلة طويلة من مفكرينا ومصلحينا الذين تصادموا مع مجتمعاتهم، وخاضوا معارك عنيفة مع مثقفى النظام، التابعين للمؤسسة الرسمية، والمتمسكين بالأفكار السائدة، والخائفين من أى مناهج جديدة للتفكير..

ما حدث لأبوزيد كان صورة مكررة لما حدث مع الكثير من مفكرينا فى القرن التاسع عشر، فعلى سبيل المثال حينما جاء جمال الدين الأفغانى إلى مصر ليشعل ثورة سياسية واجتماعية ويطالب بحياة دستورية ويرفع المظالم عن الفلاحين الذين كانوا يعاقبون آنذاك بالضرب بالكرابيج عندما يخطئون، تعرض لحملة تشويه ظالمة، واتهمه الكثيرون بأنه كان جاسوسا لروسيا القيصرية، كما قال عنه مفكرنا الراحل لويس عوض ثم جاسوسا لبريطانيا، واتهمه كثيرون أيضا بأنه كان شيعيا يحاول ضرب المذهب السنى، كما اتهمه بيان رسمى من «صديقه» الخديو توفيق بأنه استغل زعامته للمحفل الماسونى فى الشرق لنشر أفكار هدامة، إلى أن أصدر توفيق أمرا بنفيه إلى الهند..

نفس الأمر حدث مع الشيخ محمد عبده الذى تعرض لحملة تشكيك ثم نفى إلى بيروت بعد هزيمة عرابى.. أما طه حسين فقد تعرض لهجوم ضار وشكك ازهريون وغيرهم فى عقيدته بعد كتابه عن الفتنة الكبرى ومحاولته التى لم تتم أبدا لاستخدام العقل فى فهم وتفسير الاحداث التاريخية التى ورد ذكرها فى القرآن، وهو مشروع لم يتمه طه حسين، وأن كان فتح الباب امام العقل العربى إلى حدود بعيدة فى الدراسات الاكاديمية..

كان أبوزيد هو التطور الطبيعى لتيار العقل فى الثقافة المصرية، كان الرجل يريد فهم النص الدينى بعيدا عن المفاهيم التى اكتسبت قداسة على يد علمائنا وشيوخنا الكبار فى العصور الوسطى، وكان يرى أن فهم هؤلاء الشيوخ للقرآن طبقا لزمانهم وأدواته المعرفية، ولا يصلح لفهمه فى عصرنا الراهن بكل تعقيداته وبزيادة معارفة وعلومه وهمومه وقضاياه.. وهو ما جعله عرضة للاتهام من الكثيرين بأنه ينفى قداسة القرآن نفسه، وهو ما لم يحاول أبوزيد إثباته أبدا فالرجل كان يقول إن القرآن هو النص المركزى فى الثقافة العربية..
أبوزيد باختصار يعتبر «فصلا مهما» فى تاريخنا الفكرى الذى نجهله.. فنكرهه.. ثم نحاربه.. لنغرق فى دوامة جديدة من التخلف تحاصرنا منذ قرون، دون أن يأتى بعد موعد تحررنا من قيودها الصدئة!
mesmat@shorouknews.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved