إنها معجزة

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: السبت 10 يوليه 2010 - 10:37 ص بتوقيت القاهرة

 متعتان فى كأس العالم، الأولى: متعة فنية تتعلق بالمباريات وبالصراع التكتيكى، والثانية: متعة القيم والأخلاق والروح الرياضية. البطولة تقترب من نهايتها، وسوف نفتقد مبارياتها ومفاجآتها. على الرغم من شعور الكثير من المشاهدين والنقاد، بأن البطولة ضعيفة..(!!)

هو شعور متكرر، ففى عام 2006 قالوا إنها بطولة متواضعة المستوى حين وصل منتخب إيطاليا إلى المباراة النهائية، وكان منتخبا رائعا فى تكتيكه، وهو أحد خمسة منتخبات فى كأس العالم الماضية التى لعبت بخمسة خطوط.. وفى عام 2002 قالوا إنها بطولة هزيلة، وكان ممكنا أن نرى مباراة نهائية بين تركيا وكوريا الجنوبية.. وهذا الشعور بضعف مستوى المونديال يرجع إلى تطور تكتيك اللعبة وزيادة المساحات الضيقة، والضغط على المنافس وحرمانه من بناء الهجوم. بدليل أنكم استمتعتم بأداء ألمانيا وهى تنقض بالهجوم المضاد على إنجلترا والأرجنتين، مع الاعتذار لعشاق التانجو وقلة من عشاق منتخب إنجلترا.

المتعة الفنية كانت بالمشاهدة وبالقراءة، وبتعلم قراءة المباريات بصورة مختلفة وجديدة بعيدا عن الآراء الانطباعية، من نوع فتح اللعب على الجانبين، والاختراق من العمق، والثلث الأخير من الملعب، والثلث الأول، كأننا أمام بقال ونشترى «ربع كيلو جبن رومى قديم».

كم كان جميلا أن نتعلم دروسا جديدة فى كرة القدم، وأن نقرأ لأساتذة أجانب يقدمون لنا تلك الدروس الممتعة فى أهمية قراءة التفاصيل الصغيرة.. فكيف يهزم أربعة فى الوسط ثلاثة.. وكيف يقاتل كل مدرب كى يزيد عدد لاعبيه فى تلك المنطقة، وكيف يصارع كل فريق ليلعب بلاعب زائد فى كل مركز.. وكيف يكون التمرير مفيدا ومهما وكيف يكون بلا فائدة وغير مهم؟.

ومن أهم الدروس الفنية أنه لا يوجد شىء اسمه: «مدرب يدافع لأنه يلعب برأس حربة واحد».. هذا كلام غير صحيح. فالقضية ليست الرأس الواحد عند بداية التكوين. ولكن كم رأسا تكون هناك فى منطقة جزاء الخصم عندما يهاجم الفريق.. ثم إنه لا فوز غالبا بلا زيادة عددية من اللاعبين الذين يلعبون فى منطقة جزاء الفريق الآخر.

أما أهم أهم أهم الدروس، فهو أننا نظل نتعلم كل يوم درسا، وأننا مهما عملنا وسافرنا وكتبنا وقرأنا.. لا نعلم شيئا.. لم أستمتع فى حياتى كما استمتعت بأنى علمت بأنى لا أعلم؟!

تبقى القيم والأخلاق والروح الرياضية والاعتراف بفوز الآخر وبتفوقه، إنها متعة أن ترى المهزوم يهنئ الفائز، وأن يعترف من يخسر بتقصيره، وأن يقول مدرب ألمانيا يواكيم لوف: «منتخب إسبانيا يصعب السيطرة عليه. إنه فريق قوى جدا». لم يقل المدرب الألمانى أن اتحاد الكرة وراء هزيمتنا، أو أن الحكم ضيعنا، أو أن الحظ شاء.. لم يقل ولم يبرر، على الرغم من أنه خسر التاريخ.. خسر كتابة اسم فريقه على قاعدة هذه الكأس التى يستمر اللعب عليها حتى عام 2038 على ما أظن.. وهى سعة القاعدة واستقبالها لأسماء منتخبات جديدة.

فى بداية المونديال شجعت البرازيل بالوراثة كمصرى فخسرت. وشجعت منتخب فرنسا باعتباره ديكا، فكان دجاجة. وشجعت إنجلترا بالإعجاب بالدورى الإنجليزى فافترسها الألمان. وشجعت غانا فخرجت فى فيلم هندى يفوق كل الأحزان والمآسى التى كانت فى فيلم من أجل أولادى.. وشجعت ألمانيا باعتبارها قوة.. فكانت النتيجة مشهدا من فيلم دماء ورمال الشهير الذى يروى قصة أبطال مصارعة الثيران فى إسبانيا..

اليوم أشجع هولندا لإشفاقى عليها من خسارة اللقب للمرة الثالثة.. وأشجع إسبانيا إعجابا بهذا الهجوم الحريرى الناعم والقاتل.. وتشجيع فريقين فى مباراة يعنى أنى مصاب بخلل عاطفى.
(الحمد لله أنى شجعت منتخب مصر فى كأس الأمم الإفريقية وتوج بطلا ثلاث مرات.. إنها إذن معجزة)!حسن المستكاوى

helmestikawi@shorouknews.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved