الرجوع إلى التوجه القومى.. الديمقراطية والاستقلال

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 10 يوليه 2014 - 5:10 ص بتوقيت القاهرة

من أجل إخراج الأمة العربية من جحيم شتى الصراعات التى تجتاح الوطن العربى كله، سواء أكانت دينية ومذهبية طائفية أم كانت عرقية وقبلية وسياسية انتهازية عبثية، طرح العديد من الكتاب القوميين نظرة فاحصة مؤداها أن تدخل القوى القومية العربية ميدان السياسة بقوة من أجل سد الفراغ ولملمة الأشلاء وإنقاذ جسد الأمة، المتكالبة عليه قوى الشر الصهيونية والامبريالية وبعض القوى الداخلية، من التفكك والخروج من التاريخ.

لا شك أنها نظرة فيها الكثير من حب الأمة والوطن ورجوع منطقى إلى مقولة المصير العربى المشترك وإلى أن إطفاء الحرائق سيحتاج إلى مواجهة قومية شاملة بسبب كثرة المتكالبين وعظم المصائب. لكن ذلك الطرح سيحتاح لنقاش موضوعى هادئ يجنبه منزلقات الاختطاف أو الفشل. دعنا ندخل فى صلب الموضوع.

أولا: يشتم الإنسان عند البعض بأنهم يريدون ذلك التواجد القومى نقيضا للتواجد الإسلامى السياسى ونافيا لأى دور له فى الحياة السياسية العربية. فى اعتقادى أن هذا الموضوع يحتاج إلى وضوح تام منذ البداية. أن يقف التيار القومى العروبى ضد الإسلام السياسى الطائفى التكفيرى الجهادى المعادى والمهمش للديانات الأخرى، المتزمت المنغلق على مذهب واحد دون المذاهب الإسلامية الأخرى، الممارس للإرهاب والعنف ضد كل من لا يخضع لمنطقه وفهمه للإسلام أو الموافقة السياسية.. أن يقف ضد مثل هكذا تيار إسلامى سياسى متخلف وغير ديموقراطى فهذا موقف صحيح ومطلوب.

أما إذا وجدت الحركات الإسلامية السياسية غير الممارسة لأى من ذلك الجنون والعبث، المؤمنة بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والتنافس الشريف، المقدمة نفسها كأيديولوجية سياسية تعتمد الإسلام لها كمرجعية ولكن دون إدعاء قداسة لشعاراتها وبرامجها السياسية، وبالتالى تقبل بالمواطنة المتساوية فى كل الحقوق والواجبات وتقاسم خيرات الوطن.. إذا وجدت مثل هذه الحركات فإننا لن نكون ديموقراطيين ولا عادلين إن نحن رفضنا حقها التام فى الوجود والمشاركة السياسية والتنافس مع الآخرين.

هذا موضوع يجب أن يحسم، إذ ليس من مصلحة التيار القومى القفز على تراكمات تاريخية وثقافية جعلت من تجذر الإسلام، كثقافة وقيم ومورد من موارد رابطة العروبة، فى قلب وضمير الإنسان العربى واقعا لا يمكن تجاهله ولكن السعى لإبعاده عن المزالق غير الديموقراطية العادلة الإنسانية الحقة. موقفنا من هذا الموضوع سيفصح إن كنا ديموقراطيين وأننا إلى الأبد ننبذ الممارسات الفاشية.

•••

ثانيا: يشعر الإنسان بأن البعض ينادى بأن يكون دخول الوجود القومى فى الحياة السياسية العربية عن طريق بعض الأنظمة العربية الرسمية من التى لديها قبول وحماس للعمل العربى المشترك. وينسى هؤلاء فشل الحكومات العربية، عبر سبعين سنة من حياة جامعة الدول العربية، فى بناء خطوات تراكمية جادة تقرب أمة العرب من أى نوع من الوحدة فى أى مجال كان. بل إن العكس قد حدث. فالجامعة العربية قد ضعفت إلى أبعد الحدود.

أما مشاريع التوحيد فى الاقتصاد والأمن والسياسة، التى طرحت على الأخص فى الخمسينات من القرن الماضى، فأنها تلاشت وحل محها الصراع والتشرذم والخلاص القطرى والاستعانة بالأجنبى. وحتى المحاولات الجادة التى بذلها النظام القومى العربى الناصرى لتوحيد بعض الأقطار العربية انتكست بسبب الكثير من الأخطاء التى ارتكبتها البيروقراطية الحكومية.

من هنا، إذا أريد لهذا الدخول الجديد للفكر والعمل القومى أن ينجح فى إخراج الوطن العربى من ورطته التاريخية التى يعيشها، فان الدخول يجب أن ينبع من ويعتمد على إرادة شعبية تحتية وليس على إرادة فوقية يتبرع بها هذا النظام أو ذاك.

•••

القوى التى ستدخل يجب أن تكون فى شكل مؤسسات مدنية سياسية، ديموقراطية فى تكوينها وممارساتها، لها قبول وارتباط شعبى غير نخبوى يجعلها قادرة على تجييش الجماهير وإطلاق وتنظيم طاقاتها، ممتدَة عبر الوطن العربى كله بأشكال ومستويات متعددة.

إن ذلك لا يعنى بالطبع عدم الترحيب بأى نظام حكم عربى يتميز بتوجهاته القومية، لكنه يعنى، وبإلحاح، أن تفطم الحركات القومية نفسها من رضاع العساكر والبيروقراطية الحكومية الذى كان يغذى ويسَمن الطفل القومى ثم يقوم بعد حين، بقصد أو بدون قصد، بذبحه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved