نحن.. وانتخابات الآخرين

تمارا الرفاعي
تمارا الرفاعي

آخر تحديث: الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

من الصعب تفادى أخبار الانتخابات الأمريكية، فلكل منا فى المنطقة العربية رأى فى السياسة الأمريكية، حتى لو أننا غالبا ما نختزل تحليلنا لها بسياسة أمريكا الخارجية، فنفند ونتنبأ ونتمنى مرشحا دون الآخر، استنادا على ما نظن أن بإمكانهم تحقيقه من منفعة لنا فى الشرق الأوسط «وذلك بغض النظر عن مواقفنا المتباينة»، ثم نناقش ما نتوقعه أو نراه كجزء من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ومواقف القوى المختلفة التى نرى أنها تؤثر فى القرارات الأمريكية.

وبينما نجتمع فى السخرية من أحدهم وننبرى دفاعا عن آخر، ثم ندلو بدلونا حول إحداهن ونعدد مساوئ الحزبين، نشعر وللحظة وكأننا فعلا جزء من عملية سياسية نستطيع التأثير فيها بآرائنا التى نفصح عنها بكل أريحية، دون تابوهات، وكأننا ننتخب الرئيس الأمريكى بأنفسنا كل أربع سنوات، مندمجين فى الحديث عن الشأن السياسى ومحاسن ومساوئ المرشحين، وكأننا تعودنا فعلا على إبداء آرائنا السياسية دون خوف ودون تردد فى بلادنا.

***

أتابع فعاليات المؤتمر الوطنى لمرشحى الرئاسة الأمريكية بحكم وجودى فى الولايات المتحدة خلال هذه الفترة، وأعترف أن فهمى لسلسلة الفعاليات التى تحدث فى الشهور الستة الأخيرة قبل موعد الاقتراع لطالما كان محدودا، لذا فأنا أتابع بفضول يشوبه بعض الاستغراب طريقة توجه المرشحين إلى الجمهور بهدف اجتذاب الناخبين لصالحهم. أتابع طريقة استعانة المرشحين بأصدقاء وزملاء مؤثرين فى الرأى العام، على طريقة استعانة أحدنا بصديق فى مسابقة «من سيربح المليون». وكما كنت قد لاحظت فى الإعلانات التجارية الأمريكية التى تروج لمواد أو لخدمات، يستطيع مرشح أن يتكلم علنا عن منافسه، يستطيع أن يذكره بالاسم وأن يحاول إقناع الجمهور بعدم سدادة أفكار المنافس بل وبالمخاطر التى قد تواجهها البلاد إن انتخبه الشعب. يفعل المرشحان ذلك طوال الوقت، تماما كما تفعله العلامات التجارية، ففى إعلان لمعجون الأسنان مثلا ترى الممثل يقول شيئا من طراز «نحن لسنا كعلامة (اسم) فهم لا يبيضون فعلا الأسنان بينما نحن نفى بوعدنا فتحصلون على ابتسامة كابتسامة ممثلى هوليوود».

تستوقفنى الإشارة للنوع التجارى أو للشخص أو للمرشح المنافس بعينه فى بلد قوانينه صارمة لدرجة عالية فيما يتعلق بالتشهير. أتساءل دوما ما هى اللحظة الفارقة التى تنقل فيها مداخلة، تشير إلى المنافس من مقبولة إلى غير قانونية، وقد تتسبب بملاحقة قضائية؟ ما الذى يجعل شخصا قادرا على السخرية من آخر والحديث عن علاته دون أن يعتبر ذلك تشهيرا؟

ما الذى يجعلنا، نحن القادمون من بلاد تحكم حرية التعبير فيها ضوابط ليست فقط سياسية إنما أيضا ثقافية ودينية ومجتمعية، قادرون على الانخراط بسهولة فى تقييم أداء المتنافسين وإصدار حكمنا على سياستهم وسلوكهم وحياتهم الشخصية وحتى أسلوب خطابهم وتقنيات حملتهم الدعائية والانتخابية؟ نبدى رأينا بثقة، نخوض فى حياة المرشحين الشخصية، نطلع على أدائهم السياسى وفضائحهم والإشاعات التى تحوم حولهم كسياسيين وكأفراد، نعلق على ما يقولون ونكتب عنهم فى حلقات التواصل الاجتماعى دون أن نتردد خوفا من كلمة نقولها بحقهم قد تقودنا إلى المحكمة بسبب ازدرائهم أو التقليل من شأنهم أو محاولة زعزعة هيبتهم.

***

تأتى الانتخابات الأمريكية هذه السنة فى وقت يشعر أحدنا فيه أن المنطقة العربية قد بدأت الصفائح التكتونية تتحرك تحتها، فينزلق جزء من الأراضى تحت جزء، ويظهر جانبا لم يكن مكشوفا من قبل. ثمن ذلك كله طبعا باهظ جدا ويدفعه أهل المنطقة من أبنائهم ومن أموالهم ومن حياتهم. تأتى الانتخابات على خلفية طوفان يجتاح المنطقة فنغرق فى الموج الحانق حتى نكاد نختنق ثم نصعد إلى سطح الماء للحظات نلتقط فيها نفسا لا أكثر قبل أن تضربنا موجة أخرى لم نتوقعها. وسط العاصفة، نناقش الانتخابات الأمريكية وإمكانيات تأثير نتائجها علينا.

ولكن بعيدا عن تحليلنا للسياسية الخارجية الأمريكية وسخطنا من ازدواج المعايير وغضبنا من ما نراه أنه دفاعا أمريكيا انتقائيا لمعايير حقوق الإنسان، فهناك ما يدعو للتأمل فى تلقائية إبداء رأينا والطريقة التى ندلو بها بدلونا بل والمصطلحات التى نستخدمها خصوصا حين نكون فى الفضاء العام محاطين بالناس. فحين نتكلم عن جنون دونالد ترامب أو انتهازية هيلارى كلينتون أو حتى أصول باراك أوباما العرقية، فنحن لا نخفض صوتنا فى المقهى ولا نقرب رءوسنا خوفا أن يسمعنا من حولنا، لا ننظر حولنا بريبة ولا نتساءل إن كان فى ما نقوله شىيئا قد يساء فهمه فنتورط. ففى منطقتنا عموما، وباستثناءات صغيرة وفترات زمنية محدودة، نحن محكومون بضوابط صارمة قد تؤثر على سلامتنا إن تخطيناها. أما فيما يتعلق بأمريكا، ذلك الكيان الذى نراه كل منا على طريقته، فنحن جميعا خبراء واثقون من آرائنا، يكاد كل واحد فينا ممن يتناقشون فى موضوع الانتخابات أن ينصحوا الشعب الأمريكى برمته بما يجب أن يعمله.

فى أيام كهذه، أرجع قليلا فى الكرسى إلى الوراء وأستمتع بحدة النقاشات من حولى، أتخيلنا نناقش سياسيات بلادنا وندافع عن مرشحينا ونحن نشرح لماذا انضممنا إلى حزب دون غيره، نحتد وترتفع الأصوات ثم نطلق نكتة عن المرشح الأكثر تقدما، يشاركنا آخرون على الطاولة المجاورة لنا حديثنا، فى القهوة نشاهد كلنا المناظرة الأخيرة بين المرشحين فى بلدنا، فى اليوم التالى سوف ندلى بأصواتنا فى انتخابات ديمقراطية إلى حد معقول، كل انتخابات للآخرين ونحن جميعا بخير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved